خطت هيئة النزاهة ومكافحة الفساد على مدى سبعة عشر عاماً، خطوات متقدمة على مختلف الصعد، كانت السبيل لتحقيق الغايات والأهداف التي تأسست الهيئة لأجلها بتوجيهات من جلالة الملك عبدالله الثاني، وفي مقدمتها أن تكون هيئة مستقلة بعيدة عن أي تأثير أو تدخلات من أي جهة كانت.
وتعاقب على الهيئة سبع مجالس، كان لكل مجلس منها بصمات تركت علامات إيجابية فارقة على طريق الإنجاز والنهوض بالهيئة، مذ كانت هيئة لمكافحة الفساد عند التأسيس إلى أن أصبحت عام 2016 هيئة للنزاهة ومكافحة الفساد، وذلك بعد إدماج الهيئة الأم مع ديوان المظالم بهيئة جديدة تراعي المستجدات، وتعترف بأهمية ترسيخ قيم ومبادئ النزاهة والشفافية والمساءلة والحوكمة وتعزيزها في المجتمع الرسمي والأهلي.
وحققت الهيئة خلال السنوات الماضية إنجازات لافتة في محاصرة جيوب الفساد، مستندة في ذلك على خطط استراتيجية كان هدفها الأسمى تحقيق بيئة نزيهة مناهضة للفساد من خلال العمل الجاد والدؤوب على تفعيل معايير النزاهة الوطنية المتمثلة في سيادة القانون، الشفافية،المساءلة والمحاسبة، العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص والحوكمة الرشيدة.
وتعمل الهيئة وفق ثلاثة محاور متوازية ومتناغمة، عمادها الأول محور النزاهة والوقاية من الفساد، فمؤشر النزاهة الوطني في دورته الأولى التي شملت مائة وزارة ومؤسسة وهيئة عامة وبلدية وجامعة رسمية، استهدف قياس مدى التزام الإدارة العامة بمعايير النزاهة الوطنية، فيما تركزت الدورة الثانية من المؤشر التي أطلقتها الهيئة في كانون الأول من العام الماضي على ضرورة تطوير بنية معايير النزاهة وأدوات التقييم والقياس لتقترب أكثر من النماذج العالمية.
وكذلك ضرورة إدماج مؤسسات الدولة كافة في تبنّي وتطبيق ثقافة ومتطلبات معايير النزاهة، خاصة لدى القيادات العليا بصفتها القدوة لغيرها من موظفي الدولة.
أما المحور الثاني فهو محور إنفاذ القانون، حيث تم خلال العام الماضي إحالة 194 ملفًا تحقيقيًا إلى القضاء بنسبة تقل عن عام 2023 بحوالي 41%، بسبب تراجع ممارسات الفساد في قطاعات الإدارة العامة، عقب انتشار الوعي لدى موظفي الدولة، وبسبب الإجراءات الاحترازية والاستباقية التي تقوم بها الهيئة لمنع الفساد ومحاصرته، أو بسبب تصويب الأوضاع.
وحقق هذا الأمر استردادات مباشرة أو غير مباشرة من الأموال المتحصلة من الفساد بلغت قيمتها حوالي 60 مليون دينار، وبذلك تكون قيمة الاستردادات التي تحصلت من ممارسات الفساد خلال الفترة من 2019-2024 ما مجموعه 718 مليون دينار.
فيما كشفت الهيئة خلال العام الماضي وجود شبهات تهرّب ضريبي بحوالي 110 ملايين دينار، حيث تمّ إحالة الأمر إلى دائرة ضريبة الدخل والمبيعات لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
ومنح القانون للهيئة صلاحيات واسعة لضمان الالتزام بمبادئ النزاهة ومكافحة الفساد، منحتها حق تفعيل منظومة القيم والقواعد السلوكية في الإدارة العامة، وضمان تكاملها، والتأكد من أن الإدارة العامة تقدم الخدمة للمواطن بجودة عالية وبشفافية وعدالة، والتأكد من التزام الإدارة العامة بمبادئ الحوكمة الرشيدة ومعايير المساواة والجدارة والاستحقاق وتكافؤ الفرص، إضافة إلى التأكد من التزام السلطة التنفيذية بالشفافية عند وضع السياسات واتخاذ القرارات، وضمان حق المواطن في الاطلاع على المعلومات وفقًا للتشريعات، وكذلك التأكد من تطبيق الإدارة العامة للتشريعات بشفافية، وبما يحقق مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، والتأكد من وجود إطار قانوني ينظم مساءلة المسؤولين ومتخذي القرار في الإدارة العامة ومحاسبتهم.
كما أن القانون منح الهيئة صلاحية التحري عن الفساد المالي والإداري بكل أشكاله، والكشف عن المخالفات والتجاوزات وجمع الأدلة والمعلومات الخاصة بذلك، ومباشرة التحقيقات والسير في الإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة لذلك، وملاحقة كل من يرتكب أيًّا من أفعال الفساد، وحجز أمواله المنقولة وغير المنقولة، ومنعه من السفر بقرار مستعجل من الجهة القضائية المختصة، وطلب كف يده عن العمل من الجهات المعنية، ووقف راتبه وعلاواته وسائر استحقاقاته المالية إذا لزم، وتعديل أي من تلك القرارات أو إلغائها وفق التشريعات السارية المفعول، إضافة إلى مكافحة اغتيال الشخصية.
أمّا المحور الثالث، فهو محور بناء القدرات المؤسسية للهيئة، إذ تمضي الهيئة بعزم للوصول بالأردن إلى بيئة نزيهة خالية من الفساد، فلا للفساد ولا للتهاون مع الفاسدين، ونعم لسيادة القانون، فالمملكة دولة مؤسسات راسخة لن تحيد عن المضي قدمًا في تنفيذ خطط الإصلاح والتحديث الإداري.
ويعكف مجلس الهيئة حاليًا بالاشتراك مع الشركاء الاستراتيجيين على وضع استراتيجية وطنية جديدة هي الخامسة من نوعها في تاريخ الهيئة، للأعوام 2026-2030، وستتضمن مشروعات واقعية تأخذ في حساباتها معطيات مؤشر النزاهة الوطني بنسخته الجديدة والمعايير الدولية التي تنسجم مع الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد.
كذلك، تبنّت الهيئة منظومةً لحوكمة الاستراتيجيات، وهي عبارة عن منظومة إلكترونية متكاملة معنيّة بحوكمة تنفيذ الاستراتيجيات، وحوكمة المشاريع، وسيكون هذا التبني واحدًا من منجزات مركز الابتكار والتدريب في الهيئة.
والتزامًا منها بمساعي الإدارة العامة لرقمنة خدمتها، وضرورة بناء نُظم لها وفق معايير أمن وقواعد البيانات والمعلومات وسلامتها، أنشأت الهيئة قسمًا متخصصًا بالأمن السيبراني لتوعية كوادرها وتدريبهم في مجال الحفاظ على البيانات وسريتها، وتطبيق المعايير الخاصة بها لحماية الأنظمة والبرامج والشبكة الرقمية على مستوى وحدات الهيئة التنظيمية.
كما تقوم الهيئة بتطوير وتحديث مختبر الأدلة الرقمية بشكل دوري، وتزويده بأحدث المعدات والبرمجيات العالمية تماشيًا مع المعايير الدولية، بالإضافة إلى العمل على تحديث البنية التحتية الرقمية من أجهزة الحماية والاتصال، وبرمجة نظام إدارة القضايا والاستخبار الرقمي، والربط الكترونيًا مع الجهات ذات العلاقة.
وأولت الهيئة أهمية قصوى لعمل ضباط النزاهة الذين ألحقتهم بإحدى وعشرين وزارة ومؤسسة ودائرة حكومية ذات النشاط الاقتصادي والخدمي، لمراقبة الأداء فيها، وجمع الأدلة والمعلومات التي تكشف المخالفات والتجاوزات، مما ساهم في الحد منها، إضافة إلى دورهم التوعوي والتثقيفي كلُّ في الجهة الملحق بها.
وتولي الهيئة قطاع الشباب أهمية قصوى باعتبارهم بناة المستقبل وقادته، حيث أعلنت عن مبادرة لأجلهم هي «مبادرة سفراء النزاهة»، استهدفت في مرحلتها الأولى حوالي خمسة آلاف طالب جامعي، بهدف اشراكهم في نشر قيم ومفاهيم النزاهة والمساهمة في التصدي لأفعال الفساد، كما أطلقت مبادرة هاكاثون النزاهة لفئة الشباب المبدعين.
وتعزيزًا للتواصل مع المواطنين في مختلف مواقعهم، أطلقت الهيئة تطبيق الهاتف الذكي بنسخةٍ جديدةٍ ليتمكن المواطن من متابعة إنجازات الهيئة والتواصل معها لتقديم الشكاوى أو الإخبار، أو شكوى مستثمر أو تظلم، أو طلب حماية، أو طلب تعاون دولي، إضافة إلى طلب حق الحصول على المعلومة.
وعلى صعيد الحضور الدولي، فقد احتل الأردن المرتبة 61 من بين 142 دولة على مؤشر سيادة القانون الذي أصدره برنامج العدالة العالمية في تشرين الأول الماضي، كذلك بيّن المؤشر أن الأردن كان من بين 59 دولة أحرزت تقدمًا على مستوى العالم في مكافحة الفساد خلال 2023 – 2024.
وفي دراسة أجراها المركز الأوروبي للبحوث في مجال مكافحة الفساد (ERCAS) في عام 2023، حصل الأردن على المركز الثاني من بين دول المنطقة في مؤشر النزاهة العامة (IPI)، وهو مؤشر يقيس قوة المؤسسات للحد من الفساد، في حين أن ترتيبه على مؤشــر الشفافية (T-Index) كان 63%، وبذلك تجاوز المتوسط الإقليمي والعالمي؛ الأمر الذي يوضّح التحسينات التي تبنّتها الدولة الأردنية في مجالات النزاهة والشفافية.
أمّا على الصعيد المحلي، فقد ارتفعت درجة الثقة عند المواطنين بالهيئة من 40% عام 2022 إلى 83% حسب آخر استطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية مؤخرًا.
كذلك، عملت الهيئة من خلال مختلف مديرياتها على محاربة الفكر بالفكر، بهدف إلغاء فكرة الفساد الانطباعي من ذاكرة الناس التي بنيت واستندت على شائعات ابتدعتها بعض وسائل التواصل الاجتماعي، فحرصت الهيئة إلى جانب مئات المحاضرات والورش التدريبية والتوعوية على تنفيذ حملات إعلامية توعوية استهدفت مختلف شرائح المجتمع، خاصة فئة الشباب، وتصميم فيديوهات واجتماعات توعوية وبث ونشر تقارير إخبارية عبر مختلف وسائل الإعلام.
ولم تغفل الهيئة عن تعزيز علاقاتها على المستويات العربية والإقليمية والدولية فأبرمت مذكرات تفاهم مع جهات أردنية من القطاعين العام والخاص، وهيئات عربية نظيرة، وشاركت في جميع المؤتمرات واللقاءات العربية والدولية والإقليمية التي تخدم نشر قيم النزاهة وتحارب الفساد.
وساهم كل ما سبق في تقدّم الأردن على مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره سنويًا منظمة الشفافية الدولية، حيث تقدّم إلى المرتبة 59 من بين 180 دولة، فيما جاء ترتيبه السادس عربيًا بعد دول الخليج العربي.
((هيئة النزاهة)).. خطوات واثقة على طريق مكافحة الفساد
12:32 25-5-2025
آخر تعديل :
الأحد