بين التجنّب الضريبي والتهرّب الضريبي خيط رفيع يكلف العالم 492 مليار دولار سنوياً، حيث تخسر خزائن الدول سنوياً ما يعادل 492 مليار دولار نتيجة ممارسات التهرّب والتجنّب الضريبي حول العالم، وفق أحدث تقرير صادر عن «شبكة العدالة الضريبية» لعام 2024. وعلى الصعيد الوطني، تُقدِّر تقارير مستقلة أن الاقتصاد الأردني يفقد ما بين 400–560 مليون دينار كل عام بسبب التهرّب الضريبي الفردي، وهو رقم يعادل نحو 1.5 % من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا التهرب يزيد الضغط على المديونية العامة.
هذا الواقع يُحتّم علينا، كصنّاع قرار وأكاديميين، أن نُفرِّق بدقّة بين مفهومي التجنّب الضريبي والتهرّب الضريبي لنضع السياسات المناسبة لكلٍّ منهما.
اولا: التجنب الضريبي مشروع قانوناً، وإن كان محل جدل أخلاقي، وهو عبارة عن ترتيبُ المعاملات الضريبية ضمن ما يجيزه القانون لتخفيض العبء الضريبي، كاستغلال الإعفاءات أو هيكلة التمويل او استغلال الثغرات القانونية. بينما التهرب الضريبي يعتبر جريمة تستوجب الملاحقة والعقوبات وتتضمن إخفاء الدخل أو تزوير الفواتير أو استخدام حسابات غير مصرّح بها بهدف عدم دفع الضريبة او دفع ضريبة اقل.
ثانياً: حجم المشكلة في الأردن
أظهرت التقارير لعام 2024 أن التهرّب الضريبي الفردي في المملكة يحرم الخزينة من 400–560 مليون دينار سنوياً. ومع الإصلاحات الالكترونية والتكنولوجية التي أطلقتها دائرة ضريبة الدخل والمبيعات مثل اصدار نظام الفوترة الالكتروني وتقنية الذكاء الاصطناعي والاقرارات الالكترونية والتسديد الالكتروني وتأسيس وحدة الامن السيبراني في الدائرة، فقد ارتفعت التحصيلات الفعلية في عام 2024 الى 6.084 مليار دينار وزاد الالتزام الطوعي وتم تعزيز الثقافة الضريبية وتم اجراء المصالحات الضريبية مع المكلفين مما ادى الى تحقيق العدالة الضريبية والحد من التهرب الضريبي قدر المستطاع.
ثالثاً: كيف يُمارَس التجنّب الضريبي؟
من الامثلة على ممارسة التجنب الضريبي:
نقل الملكية الفكرية إلى دولة فيها المعدلات الضريبية منخفضة ثم دفع رسوم استخدام من الأردن.
تمويلٌ بالدَّين بدل حقوق الملكية لاستغلال تنزيل الفوائد من الدخل الخاضع للضريبة.
توقيت الإيرادات والمصروفات للتلاعب في الوعاء الضريبي على أساس الاستحقاق.
رابعاً: أنماط التهرّب الضريبي في الأردن
الاقتصاد النقدي غير المُسجَّل: الاعتماد على المدفوعات النقدية لتجنّب الفواتير الإلكترونية.
تضخيم النفقات: إدراج فواتير وهمية لتخفيض صافي الربح.
التحويل الخارجي: تحويل أرباح غير معلَنة إلى حسابات خارجية، مستفيدين من محدودية تبادل المعلومات سابقاً، قبل انضمام الأردن إلى المبادرة العالمية لتبادل البيانات المالية (CRS)2.
خامساً: الآثار الاقتصادية والاجتماعية: بشكل عام
تراجع الثقة: حين يرى المواطن أنّ البعض يفلت من الضريبة، بالتالي يضعف الامتثال الطوعي ويزداد العبء على الملتزمين.
تشوّه المنافسة: الشركات الصغيرة لا تملك الأدوات أو الموارد للتلاعب القانوني، ما يقلل قدرتها على النمو.
عجز في الإيرادات: كل دينار ضريبي مفقود يعني ديناراً أقل لإنفاقه على الصحة والتعليم والبنية التحتية.
سادساً: توصيات إصلاحية
الإجراء المقترَح
المحور التتشريعي :إدخال القواعد العامة لمكافحة التهرب الضريبي GAAR3 بشكل قوي في قانون ضريبة الدخل، مع عقوبات رادعة تُحصَر التجنّب الضريبي.
المحور الرقابي التقني: ربط كامل لفواتير المبيعات بنظام الفوترة الإلكتروني، واستخدام الذكاء الاصطناعي (كما هو معمول به حاليا)
محور الشفافية: إلزام الشركات بنشر إقرارات ضريبية مختصرة للعموم، وتعزيز المشاركة في اتفاقيات تبادل المعلومات.
محور التثقيف الضريبي: برامج توعية للمكلَّفين حول خطورة التهرّب وفُرص التخطيط المشروع وفق أطر واضحة.
محور التعاون الإقليمي: إنشاء قاعدة بيانات مشتركة مع الدول العربية لتتبع تدفقات الأموال المشبوهة والتهرّب عبر الحدود
بالختام يبقى الخط الفاصل بين التجنّب المشروع والتهرّب الإجرامي خطاً رفيعاً، لكن حماية الإيرادات العامة تتطلّب اجراءً قانونياً أوضح وعقوباتٍ مُفعَّلة. إنّ غياب ذلك في التشريع الأردني يشكّل ثغرةً أساسية يجب سدّها سريعاً. كذلك، فإنّ الانتقال الكامل إلى الفوترة الإلكترونية وتوسيع نطاق تبادل المعلومات المالية كفيلان بتقليص فجوة الإيرادات، ودعم جهود المملكة في ضبط المديونية وتحسين الخدمات العامة.
الجامعة الاردنية
التجنّب الضريبي والتهرّب الضريبي
11:22 15-5-2025
آخر تعديل :
الخميس