العصر الذهبي الذي نعيشه رغم أنه سهل علينا كل شيء في حياتنا اليومية، لكنه أفرز معضلات للكثيرين، ومنهم حضرتي، خاصة في التعامل مع النظريات المعقدة لكلمات المرور (Bassword)، سواء في العمل أو البيت أو في السيارة.
لقد أصبحنا أسرى خلف قضبان «8 أحرف على الأقل» التي تظهر في وجهك كل خطوة في عالم التقينة الحديثة، تتصارع أفكارنا في اختيار الكلمات بين حرف كبير، ورقم، ورمز انقرض من أبجديات البشرية قبل خمسة قرون، على الرغم أن معظمنا استخدم كل تواريخ أعياد ميلاد العائلة حتى الجد العاشر.
لتدخل الى حسابك البنكي كلمة مرور، تفتح أي حاسوب كلمة مرور.. تطبيقات العمل كلمة مرور.. تفتح الثلاجة.. كلمة مرور، والمستقبل القريب تدخل للحمام.. كلمة مرور..، بعد خمس دقائق وأنت تحت الدش تغلق المياه الساخنة بسبب كلمة المرور.. وإذا نسيته في تلك اللحظة فالبرد يأكلك لحين تتذكر الأحرف والكلمات والطلاسم، مع خاصية المصادقة المزدوجة عبر ماء الحنفيّة!
والطامة الكبرى التي تواجهنا ليس فقط بحفظ الكم الهائل من هذه الكلمات والرموز، بل عليك أن تجددها كل شهر خاصة لطبيقات العمل بحجة «الأمان السيبراني»، وكأنك تملك موسوعة من كلمات المرور، وبدل التركيز على عملك تجلس كل يوم في محاولة تذكّر:هل كانت كلمة المرور تبدأ بـ (omran@2025) أو (emran225$sD)، أو (Amran2024@AgainIT#ForE@)، كأنها معادلة فيزيائية حتى آنشتاين لا يتسطيع تذكرها، ولكن إذا نسيتها فالحل جاهز (هل نسيت كملة المرور)، فتدخل هنا في معركة حامية الوطيس أو تذهب في رحلة عبر الزمن، تقودك إلى رحلة أشبه بطلب اللجوء السياسي: أدخل عنوان بريدك، ثم أدخل رمزا يرسل إلى رقم هاتفك، ثم أجب عن سؤال الأمان الذي وضعته في 2011 (من هو أستاذك المفضل في الصف السادس؟!)، ثم أخيرًا، اختر كلمة مرور جديدة لم تستخدمها من قبل، وهذا مستحيل، لأنك استخدمت كل التراكيب الممكنة منذ اختراع الكهرباء.
أما العباقرة منا، فقد قرروا أن كلمة مرور واحدة تكفي لكل شيء، نفس الكلمة لحساب البنك، والبريد الإلكتروني، وتطبيق الطبخ، وحتى حسابات منصات السوشيل ميديا، وهؤلاء، يا سادة، كمن يضع مفاتيح المنزل والسيارة والخزنة والثلاجة والحمام في سلسلة مفاتيح واحدة... ثم يعلقها على باب المنزل، لأن الراحة أهم من الأمان، أليس كذلك؟
النتيجة؟ حالة جماعية من «فقدان الذاكرة المؤقت»، لأن الذاكرة البشرية ليست سوى جهاز كمبيوتر قديم بدأ ينسى ملفات حساسة، كلما أردت دخول تطبيق جديد، تشعر وكأنك تحاول اقتحام قصر رئاسي، تتصبب عرقا وأنت تحاول التذكر، ثم ينتهي بك الأمر بإعادة تعيين كلمة المرور، فقط لتكتشف أنك عدت لاستخدام نفس الكلمة القديمة لأنك لم تجد غيرها، وكلما اقتربنا من تحطيم أحد هذه السجون الإلكترونية، يظهر لنا أحد الحراس ليقول: «هل أنت متأكد من أنك لست روبوتًا؟».
باختصار، لم تعد المشكلة في المخترقين، بل في عقولنا التي امتلأت بكلمات مرور أكثر من عدد كلمات أي رواية طويلة، وأصبحنا نعيش في عصر لا يمكننا فيه فقط تذكر أرقام هواتفنا القديمة، بل يمكننا أن ننسى كيف نعيش دون تكنولوجيا تجبرنا على تحديث كلمات المرور في كل مرة نغلق فيها أعيُننا!