كتاب

الصمت في زمن الفوضى

في عالم يتسارع فيه إيقاع التقدم التكنولوجي، تتداخل فيه الحدود بين الواقع والافتراض، وتتشابك فيه الخيوط بين الحقيقة والتضليل، فقد برزت تحديات جديدة تهدد النسيج الاجتماعي والخصوصية الفردية. وتبرز الكثير من العقبات التي تواجه الشباب بعد أن كان من المؤمل ان هناك افاق كانوا يحلمون بها لتحقيق الكمال والسعادة، وبرزت تحديات جديدة في الطريق الى هذا الكمال ومن بين هذه التحديات، تبرز حروب الجيل الخامس وتطورات الذكاء الاصطناعي، التي تستدعي منا وقفة تأملية لفهم مخاطرها وسبل مواجهتها.

حروب الجيل الخامس ليست مجرد صراعات تقليدية، بل هي حروب غير مرئية، تستخدم أدوات غير عسكرية، مثل المعلومات المضللة، والجرائم الالكترونية والتي تستهدف النساء والأطفال وتفضي الى التنمر الالكتروني والتحرش الجنسي، وهناك الهجمات السيبرانية، والتلاعب النفسي، بهدف زعزعة استقرار الافراد والمجتمعات دون استخدام القوة العسكرية المباشرة. حيث تستهدف هذه الحروب العقول قبل الأبدان، وتسعى لتفكيك القيم والمعتقدات، مما يؤدي إلى فقدان البوصلة الأخلاقية والاجتماعية.

في ظل هذا الواقع، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أبرز إنجازات العصر الحديث، حيث يقدم حلولاً مبتكرة في مجالات متعددة، في الهندسة والطب والتعليم ومجالات لا حصر لها. إلا أن هذا التقدم يرافقه مخاطر تهدد الخصوصية وحقوق الإنسان، خاصة مع استخدام تقنيات التعرف على الوجه، وجمع البيانات الشخصية، والتلاعب بالمعلومات، والنقل العلمي الذي يستخدم في الدراسات والأبحاث.

أدرك المجتمع الدولي أهمية وضع أطر أخلاقية لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي. وفي هذا السياق، اعتمدت اليونسكو في تشرين الثاني 2021 بالإجماع «التوصية الخاصة بأخلاقيات الذكاء الاصطناعي»، والتي تُعد أول وثيقة تقنينية عالمية في هذا المجال. تهدف هذه التوصية إلى توجيه تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة تحترم حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية، وتعزز الشفافية والإنصاف، مع التأكيد على ضرورة الإشراف البشري على نظم الذكاء الاصطناعي. وفي اذار 2024، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أول قرار دولي بشأن الذكاء الاصطناعي? يهدف هذا القرار إلى تشجيع حماية البيانات الشخصية وحقوق الإنسان، ومراقبة المخاطر المرتبطة بتطور هذه التكنولوجيا. كما يدعو إلى تعزيز سياسات حماية الخصوصية، ويحث الدول على تطوير أطر تنظيمية تضمن استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة آمنة وجديرة بالثقة.

تُعد هذه المبادرات خطوات مهمة نحو إرساء منظومة أخلاقية عالمية لتنظيم الذكاء الاصطناعي، وتؤكد على التزام المجتمع الدولي بحماية حقوق الأفراد في ظل التقدم التكنولوجي المتسارع.

تُعد الخصوصية من الحقوق الأساسية التي يجب حمايتها في ظل التقدم التكنولوجي. وتؤكد المفوضية السامية لحقوق الإنسان على ضرورة وضع تشريعات تحمي الأفراد من الانتهاكات الرقمية، وتضمن استخدام البيانات الشخصية بشكل مسؤول.

في ظل التحديات الرقمية، يجب التركيز على حماية الفئات التي تفتقر إلى المعرفة الرقمية، من خلال التوعية والتثقيف، ونشر الوعي حول مخاطر التكنولوجيا وسبل الحماية منها، ووضع قوانين تحمي الأفراد من الاستغلال الرقمي، وتعزيز التعاون بين الدول لوضع معايير أخلاقية مشتركة.

كما وتسعى المنظمات االاقليمية إلى وضع اتفاقيات ملزمة تحمي الخصوصية في العصر الرقمي. على سبيل المثال، تعمل دول الإتحاد الأوروبي على إعداد أول معاهدة دولية بشأن الذكاء الاصطناعي، تهدف إلى تعزيز الابتكار المسؤول وحماية حقوق الإنسان.

في مواجهة هذه التحديات، يصبح الوعي هو السلاح الأقوى. وفي بعض الأحيان، يكون الصمت موقفًا استراتيجيًا يعكس الحكمة والوعي، خاصة عندما يكون الحديث في بيئة مشوشة قد تفهم بشكل خاطئ أو تُستغل لأغراض سلبية. فلنكن جميعًا على قدر المسؤولية، ونعمل معًا لحماية مجتمعاتنا من التفكك والانهيار.