يمثل الابتكار أحد المحركات الأساسية للنمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي، وقد أحرز الأردن تقدمًا ملحوظًا في هذا المجال على مستوى المنطقة، وفقًا لمؤشر الابتكار العالمي لعام 2024، جاء الأردن في المرتبة 73 عالميًا والثامنة عربيًا، متقدمًا على دول مثل تونس والجزائر ومصر، لكنه لا يزال متأخرًا عن دول الخليج كالإمارات (المرتبة 32 عالميًا) والسعودية (47 عالميًا)، هذا الترتيب يعكس طموحًا واهتمامًا متزايدًا بسياسات الابتكار، لكنه يسلط الضوء أيضًا على الحاجة لمزيد من التطوير والتحسين.
يُعد مؤشر الابتكار العالمي (Global Innovation Index–GII) أداة دولية تصدر سنويًا عن المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) بالتعاون مع شركاء بحثيين، ويقيس أداء الابتكار في أكثر من 130 دولة حول العالم، بناءً على نحو 80 مؤشرًا فرعيًا تشمل بيئة المؤسسات، ورأس المال البشري والبحث، والبنية التحتية، وتطور السوق، وتطور الأعمال، إلى جانب مخرجات الابتكار مثل المنتجات المعرفية والتقنيات الإبداعية، ويهدف إلى تقييم قدرة الدول على تحويل الموارد (كالتعليم والتمويل والبحث) إلى مخرجات ابتكارية ملموسة تخدم الاقتصاد والمجتم?.
تشير أمثلة الابتكار في الأردن إلى تنوع القطاعات والمبادرات، من أبرز هذه الأمثلة شركة «Tamatem Games» التي نجحت في إنتاج ألعاب رقمية عربية وحققت انتشارًا إقليميًا واسعًا، إلى جانب شركة «ViaVii» المتخصصة في السياحة الذكية من خلال استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، كما تلعب حاضنات الأعمال مثل iPARK والمسرعات الجامعية دورًا فعالًا في دعم المشاريع الريادية وتحويل الأفكار إلى مشاريع قائمة.
يمتلك الأردن العديد من نقاط القوة التي تؤهله للتقدم في مجال الابتكار، أبرزها توفر الكفاءات البشرية المتعلمة، وارتفاع نسبة خريجي التخصصات العلمية والتقنية، فضلًا عن التطور الملحوظ في البنية التحتية الرقمية، كما أن السياسات الحكومية الداعمة لريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي تمثل بيئة خصبة لنمو المشاريع الابتكارية.
مع ذلك، يعاني الأردن من بعض التحديات التي تعيق تحقيق قفزات نوعية في الابتكار، أبرزها انخفاض الإنفاق على البحث والتطوير (حوالي 0.3% من الناتج المحلي) مقارنةً بدول مثل كوريا الجنوبية وإسرائيل التي تتجاوز 4%، كما أن ضعف التعاون بين الجامعات والقطاع الخاص يحد من تسويق الأبحاث وتحويلها إلى منتجات قابلة للتطبيق.
في المقابل، يتيح الموقع الجغرافي للأردن، وازدياد الحاجة العربية للتكنولوجيا في مجالات مثل التعليم والصحة والطاقة، فرصًا كبيرة للتوسع وتصدير الحلول المبتكرة، دعم الشركات الناشئة وتطوير الابتكار المفتوح يمكن أن يكون بوابة الأردن نحو التميز الإقليمي.
غير أن هذه الفرص لا تخلو من التهديدات، مثل المنافسة الحادة من دول متقدمة، والضغوط الاقتصادية التي تحد من تمويل الابتكار، إضافة إلى هجرة الكفاءات الشابة، ولتحقيق تقدم حقيقي، يحتاج الأردن إلى استراتيجيات متكاملة تعزز التعليم التطبيقي، وتربط مخرجات الجامعات بحاجات السوق، وتوفر حوافز أكبر للبحث والتطوير.
جامعة آل البيت - قسم التمويل والمصارف