كتاب

... قال لي مسؤول مهم في الدولة الأسبوع الماضي: انت بتشطح كثير..

 

 

أنا أعترف بأن لدي (شطحات) أحيانا، وهذه الصفة موجودة منذ الطفولة.. ذات مرة في المرحلة الإعدادية سرقت سيارة أبي، غادرت بها للشارع المقابل ثم عدت، لم أوفق في الاصطفاف، واصطدمت بالحائط، فيما بعد تم اكتشاف القصة، والمهم أن الجميع شارك في ضربي، وأنا لا أنكر أن الضرب كان مبرحا.. حتى الجيران شاركوا في الأمر.

شطحت كثيرا في حياتي، حينما بدأت بكتابة الرسائل الغرامية، وذات مرة ضبطت مديرة مدرسة البنات رسالة لي مع طالبة مستجدة، أحضروني للمخفر.. وكان العقاب (شطف المخفر) كاملاً، يومها قلت لهم إني يتيم، لو عرف أبي في الأمر لكان العقاب مؤلما، لكنهم صدقوني وتعاطفوا معي واكتفوا بعقوبة مخففة.

شطحت كثيرا في هذا العمر، فقد انخرطت في الصلاة أثناء السنة الثانية من دراستي في الجامعة الأردنية، وكنت مواظبا على أداء الظهر والعصر في ذات المسجد، وفي نفس الوقت انتظمت في اليسار.

من ضمن الشطحات العابرة في حياتي، هي تطوعي للأذان في مسجد حارتنا.. تأخر المؤذن يومها، وطلب أحد وجهاء الحارة من أحد الشباب أن يؤذن في الناس، قال كلمة حمستني: (البركة في الشباب..) وأعقبها بجملة: (هذا الشب الكركي ما شاء الله مواظب على الصلاة).. تحمست ورفعت الأذان، لم أخطئ أبدا.. لكن الصوت كان نشازاً، ولا أعرف كيف أدخلت لحنا غريبا.

كل شيء كان لدي في العمر شطحة، الصحافة التي دخلتها متحمسا.. ودورة التايكواندو التي انخرطت فيها، واستعملت الحجارة في النزال، ثم طردوني منها.. والمدرسة التي تطوعت للتدريس فيها يوما، ثم غادرتها على عجل حين دهس الباص طالبا من طلابي في الصف الخامس، صرت حين أغادرها أحس كل يوم بأن الباص الذي دهسه يمر فوق جسدي، لم أتوقف عن البكاء شهرا كاملا.. لقد مات الطالب يومها، وعرضوا في البث المباشر قصته، وزارنا مدير التعليم وطوي الأمر، غير أن الطباشير عاتبتني.. لم يعد لها ذاك الصرير المعهود.. فقررت ترك التدريس.

كل شيء في حياتي شطحة، إلا البلد.. أبدا لم يكن الأردن عندي شطحة، كان هو المرتجى والمصير، كان هو الكل وليس البعض، وأحببته بكل ما في الحب من دمع وحنين..

لا تسألوا عمن شطح في الحب والحياة.. أنا لا مال ولا منصب، لكني أملك الحياة حتى وإن كانت مؤلمة.

Abdelhadi18@yahoo.com