بدأت محكمة أمن الدولة بإصدار أحكامها القضائية بحق المتورطين بمحاولة القيام بأعمال إرهابية، حيث قضت قبل أيام بإدانة البعض منهم بالأشغال المؤقتة لمدة عشرين عاما، ليكونوا عبرة لغيرهم ممن قد تسوّل له نفسه التطاول على أمن هذا البلد واستقراره.
إن تكاثف الجهود الوطنية والتنسيق بين أجهزة الدولة المختلفة قد ساهم في التقليل من تبعات الأحداث الإرهابية الأخيرة التي كشفت عنها الأجهزة الأمنية بكل حرفية واقتدار، وتم إحالة المتهمين فيها إلى القضاء بعد أن قامت الحكومة وضمن ولايتها العامة بإصدار القرار بحظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين المنحلة واعتبارها جمعية غير مشروعة.
ورغم هذه الانسيابية والسلاسة في التعاطي الرسمي مع الأحداث الأمنية الأخيرة، لا يزال البعض يشكك بقوة الدولة الأردنية وقدرتها على متابعة مشاريعها الإصلاحية في المجالات السياسية والاقتصادية والإدارية والتي تحظى بمتابعة ملكية حثيثة.
فعلى صعيد التحديث السياسي، نجح الأردن في إتمام المرحلة الأولى منه بإجراء الانتخابات النيابية الأخيرة لعام 2024 لاختيار مجلس النواب العشرين، والتي تنافست فيها جميع القوى السياسية والحزبية وفازت التيارات الإسلامية بعدد وفير من المقاعد، ذلك على الرغم من موقف البعض منها المعادي لأمن الدولة وسلامة جبهتها الداخلية.
فعلى خلاف التحليلات السياسية التي تتوقع حل مجلس النواب الحالي في حال صدور قرارات قضائية بتورط حزب جبهة العمل الإسلامي بالأعمال الإرهابية وإمكانية لجوء الهيئة المستقلة للانتخاب لطلب حله وفق أحكام القانون، فإن هذه الأحداث وإن وقعت، ليس بالضرورة أن تؤدي إلى حل المجلس النيابي. فالتشريعات الوطنية قادرة على التعامل مع أي تطورات سياسية وقضائية قادمة، إذ يتضمن قانونا الانتخاب والأحزاب السياسية النافذان نصوصا واضحة وصريحة تعالج كافة السيناريوهات المطروحة، وتحدد البدائل على مستوى النواب والأحزاب السياسية التي ستحل م?ل الحزب الإسلامي في حال تقرر حله.
إن حل مجلس النواب هو حق دستوري يثبت لجلالة الملك يمارسه وفق أحكام الدستور، إلا أن قرار الحل في حال صدوره سيستتبعه مجموعة من الاستحقاقات الزمنية أهمها أنه يجب إجراء انتخابات نيابية جديدة لاختيار مجلس النواب الحادي والعشرين خلال أربعة أشهر على الأكثر من تاريخ الحل. فإن كانت فكرة إجراء انتخابات تشريعية خلال الأشهر القليلة المقبلة ليست بالأمر الغريب على الهيئة المستقلة للانتخاب التي اكتسبت خبرات إدارية وإشرافية متميزة خلال السنوات السابقة، إلا أن مجلس النواب القادم سيكون مختلفا عن سابقيه من نواحي مختلفة يجب أخ?ها بعين الاعتبار عند إجراء انتخابات جديدة بعد الحل.
فمن خلال استعراض نصوص قانون الانتخاب النافذ نجد بأنه ينص في المادة (71) منه على أن «يراعى عند انتخاب المجلس النيابي الحادي والعشرين أن تكون نسبة المقاعد المخصصة للأحزاب والتحالفات الحزبية ما نسبته (50%) حدا أدنى من عدد المقاعد النيابية، وتُقسم بموجب نظام يصدر لهذه الغاية يراعي الربط بين القائمة المحلية والقائمة العامة».
وعليه، فإن مجلس النواب الحادي والعشرين سيكون مختلفا تماما من حيث تركيبته عن المجلس الحالي من حيث أنه سيشترط فيه أن يكون عدد النواب الحزبيين فيه نصف المجموع الكلي لأعضائه كحد أدنى. فما يميز التحديث السياسي في الأردن أنه قد اتبع نهجا تدرجيا في الانتقال من مجالس الأفراد إلى مجالس الأحزاب. فمجلس النواب الحالي أريد له أن يضم (41) مقعدا حزبيا بحده الأدنى، في حين سترتفع هذه النسبة إلى النصف في المجلس الحادي والعشرين.
فمن منظور تشريعي، فإن قصر المدة الزمنية التي حددها المشرع الدستوري بين حل مجلس النواب الحالي وضرورة إجراء انتخابات جديدة لتشكيل مجلس جديد تجعل من الصعوبة بمكان إتمام المراجعة التشريعية اللازمة للتهيئة لانتخاب مجلس نواب جديد نصف أعضائه حزبيون. فالاستعجال في الولوج إلى المرحلة الثانية من مراحل التحديث السياسي سيقلل من فرص نجاحها، وبالنتيجة قد يمتد التأثير السلبي للمرحلة الثالثة والأخيرة من مراحل الإصلاح السياسي
وعلى الصعيد السياسي، فإن الدولة الأردنية قد أثبتت وعلى الدوام أنها قوية وحكيمة في قراراتها السيادية التي تصدر عنها، فلا تلجأ إلى الحلول الانفعالية غير المدروسة ولا تنجر نحو من يحاول التقليل من قيمتها وعلو شأنها. فإن ثبت تورط توجه ديني سياسي بمحاولات إرهابية تخريبية في الأردن، فسيلقى هو وممثلوه جزاؤهم العادل، ولن يمتد أثر هذه الأفعال على باقي الأحزاب السياسية الوطنية الممثلة في البرلمان، التي لا ذنب لها سوى أنها في المركب ذاته مع الدولة تدعم الإصلاح على مستوى السلطة التشريعية.
أن حل مجلس النواب استناداً لمخالفة أكبر الأحزاب السياسية في البرلمان لأحكام القانون قد يكون فيه إجحاف بحق مناصري باقي الأحزاب الأخرى، ومكافأة للتيار الفكري المعني الذي يمكن له أن يعيد ترتيب أوراقه الداخلية والتقدم بطلب ترخيص حزب جديد أو الانضمام لحزب قائم لغايات خوض الانتخابات النيابية القادمة والعودة إلى مجلس الأمة.
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
