بعد اعتذاره عن عدم الحضور وتشديد استدعائه؛ من قبل وزارة الخارجيّة اللبنانيّة؛ الجيش اللبنانيّة يثبت الأمن في الجنوب، وسط اشادات أميركية بأداء الرئيس جوزيف عون، وتحريض متواصل من وكلاء الدولة الإيرانية على عون.
من الطبيعي أنّ يكون رد فعل إيران ووكلائها عنيفاً تجاه استعادة لبنان لسيادة سرقت منه، بعد أنّ حوله محور الممانعة لمنصّة لتصدير الكبتاجون وتهريب السلاح، وتخزينه بين البيوت.
ولكن أنّ تصل الأمور إلى حد التحريض ضد الدولة اللبنانيّة ورئيسها تارةً؛ والتهديد بقطع اليد تارةً أخرى، فهذا يعني أنّ ورقة حزب الله الأقوى أو التي كانت الأقوى لدى إيران قدّ احترقت.
السفير الإيراني لدى بيروت مجتبى أماني امتثل أخيراً للأعراف الدبلوماسيّة وذهب إلى الخارجيّة اللبنانيّة بعد أن تم استدعاؤه مرتين!
المرّة الأولى اعتذر عن عدم الحضور ليعود الخميس ويتبلغ بضرورة التقيد بالأصول الدبلوماسيّة المحددة في الاتفاقيات الدوليّة الخاصة بسيادة الدول، وعدم التدخل في شؤون الدول الداخليّة وفي مقدمتها اتفاقية فينّا.
السفير الإيراني أحدث بلبلة في لبنان عندما وصف الدعوات لنزع سلاح حزب الله بـ«المؤامرة»، وقال على إكس إن واشنطن تواصل تزويد إسرائيل بالأسلحة وتمنع دول من تسليح جيوشها وعندما تستسلم هذه الدول للمطالب لنزع السلاح تصبح عرضة للهجوم والاحتلال كما حدث في العراق وليبيا وسوريا ».
هذهِ الأزمة جاءت في أعقاب استعادة حزب الله لغة التخوين والتهديد ومفردات بالية تتمثل في «قطع الأيدي وما تجربونا ولا قوة تستطيع نزع السلاح وسلاحنا باقٍ حتى ظهور المهدي»؛ لأنّه يعرف بأنّ الرئيس عون مصمّم على بسط سلطة الدولة واحتكارها وحدها السلاح، ونقل النقاش من التمييع إلى التنفيذ!
فالرئيس اللبناني جوزيف عون أكّد أنّ الجيش يواصل انتشاره في القرى والبلدات الجنوبيّة التي احتلتها إسرائيل، وأثناء لقاء جمعه مع قائد قوات اليونيفيل.. أشار إلى أنّ قرار تطويع العسكريين مستمرّ لتأمين أربعة آلاف وخمسمئة عسكري سيتولون مع القوات الموجودة حالياً بسط الأمن في الجنوب وتطبيق القرار ١٧٠١ بالتعاون مع اليونيفل، كما شدد عون على أن استمرار احتلال إسرائيل للتلال الخمس يجب أن ينتهي فوراً لتأمين الاستقرار والأمن تمهيداً لاستكمال عودة الأهالي إلى قراهم.
صحيفة يديعوت أحرونوت نقلت عن مسؤول عسكري إسرائيلي بأنّ الجيش اللبناني في نظرهم يفرض إجراءات في مناطق حزب الله تفوقت بكثير ما توقعه الجانب الإسرائيلي.
كما أنّ نائبة المبعوث الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط مورجان أورتاجوس أشادت بشجاعة الرئيس عون قائلة لقد شهدت قائداً مصمماً على اتخاذ القرارات الجريئة والضرورية لوضع لبنان على طريق التعافي.
أزمّة دبلوماسية كانت قد ستنتج جرّاء تصريح للسفير الإيراني في بيروت، باتجاه خطوة يصمّم الرئيس اللبناني على اتخاذها وفي إشارة إلى صعوبة قبول إيران ومحورها في تقبل هذا التغيّر في لبنان في محاولة لاستعادة السيادة اللبنانية بشكل كامل وبسطها على الأراضي اللبنانيّة.
يبدو أنّ هناك حمّلة تحريضيّة لاستهداف الرئيس عون من قبل أصوات المحور الإيراني في العراق ومنهم على سبيل المثال ياسين الموسوي، وكل ذلك بعد لغة تخوينيّة تصعيديّة من قبل محور إيران ووكلائها في المنطقة.
لبنان خلال عقود مضت دفع فواتير إيران، واللعب في الساحة اللبنانيّة والسوريّة والعراقيّة بما فيه الكفايّة!
القصّة لا تنتهي باستدعاء السفير؛ فمنذ سنوات تشكّلت خارطة النفوذ في هذا البلد الصغير، بتعقيد يشبه تضاريسهٍ، من خلال تحالفات ومرجعيات تمتد جذورها إلى ما هو أبعد من المتوسط!
لكنّ شيئاً ما قد تغير وهو الصوت الذي كان يأتي من جنوب بيروت، بدأ يخرج بالفارسية، والبيانات التي كانت تصدر باسم المقاومة باتت تصدر من سفارة لا تعترف بحدود الجغرافيا ولا بالأعراف الدبلوماسيّة!
لبنان الرسمي ولبنان الدولة ردّ باستدعاء السفير، ولم يستجب له السفير في بادئ الأمر، وهنا لم يكن الغياب مجرد اعتذار بل موقف!
فهل لبنان أمام سفير دولة أم مندوب فوق الدولة؟! خاصّة وأنّ السفير نفسه الذي بات معروفاً في لبنان في سفير البيجر!
إذا كانت السيادة لا تحفظ إلا بالاحترام فماذا الذي تبقى منها حين تخترق تحت مسميات؛ الدفاع والتحالف والمقاومة؟!
لكنّ القصّة لا تنتهي باستدعاء السفير أو تصريح مستفز.. المشهد يتراكم، وإذا كان لبنان أمام أزمة طائرات وحقائب دبلوماسيّة وتفتيش دبلوماسيين إلى عرض مفاوضات تخاض باسم لبنان دون علمه!
مشهد لم يعد يقرأ كأزمات منفصلة بل كفصول متصاعدة في معركة كسر إرادات بين بيروت وطهران.
كل شيء بات بالعلن إن كان على صعيد النفوذ والخطاب وغياب وحتى استفزاز؛ هذه، ليست قصّة تغريدة ولا أزمة دبلوماسيّة عابرة؛ هذهِ قصّة بلد يسأل من المتحدث الرسمي باسمه؟.. هل من حقه أنّ يختار حصر السلاح بيد الدولة دون أنّ يتهم بالخيانة؟.. ومن يقرر بالنهاية هذهِ المسألة بيروت أم طهران أم الضاحية؟!
المثير للاهتمام هنا أنّ تغريدة السفير الإيراني في بيروت مازالت قائمة على منصّة اكس رغم محاولات السفير تغليفها بتبرير دبلوماسي!