.. الكتابة أحياناً أشبه بالوقوف على حدّ السكين، فإن كتبت عن الحكومات تصبح رهين مصطلحات أنتجها إعلام الإخوان في الأردن وهي: كتائب التدخل السريع، سحيج، متكسب.. الخ, وإن مارست دور الناقد للحكومات تصبح أيضا رهين أوصاف أنتجتها مسيرات الإخوان في الأردن وهي: الأحرار، الحراك الأردني الحر.. الخ.
أنا أعرف بحسب التصنيف (الإخواني)، أني بعد هذا المقال سأكون.. من أتباع الصف الأول، وسأحوز على المرتبة الأولى فيهم وهي: السحيج.
أكثر الرؤساء تحدثاً عن الهوية الأردنية بشكل مقنع هو: جعفر حسان.. وأكثر رئيس سمعته أشار إلى التباس الهوية عند بعض الحركات السياسية وحتى الكتاب هو جعفر حسان، وقد بدأ مشروعه بذلك حين أصدر قرار العلم، وألزم الأبنية الجديدة بوضع سارية على البناء.
قصة الهوية لا تأتي بالقرار فقط، بل باستقطاب من كتبوا عنها ودافعوا عنها والاستماع لوجهات نظرهم، وسؤالهم حول تشكلها، وقوتها ومدى حضورها في المشهد.
في مسألة الخلايا الإخوانية، نحن لا نواجه خطرا إرهابيا فقط، بل نواجه أزمة هوية، لو أن الذي صنع الصواريخ كان الحس والشعور الوطني لديه في أعلى الدرجات لما اقترف هذه الجريمة، لكنه خضع لبرمجة عقل (إخوانية)، وهي برمجة لا تؤمن بالحدود، لا يوجد هوية في تلقينها للأعضاء، لا يوجد فيها مفهوم محدد لفكرة الدولة.. بل توجد فكرة الأمصار الإسلامية، وهي برمجة سيطرت عليها التفاسير (القطبية) المرتبطة بتكفير المجتمعات، وبالتالي خضوع الفرد ورضوخه لمبدأ الدولة الكافرة..
المصريون فهموا اللعبة جيدا، لقد سقط الإخوان في مصر لأنهم اشتبكوا مع وجدان الشعب المصري، لقد أرادوا محاكمة عادل إمام، وأرادوا إغلاق دار الأوبرا المصرية، واعتبروا السينما من المحرمات.. سقطوا لأنهم أرادوا إحداث تغيير جذري في الهوية المصرية، وتحويلها من هوية تنويرية شرسة مقاتلة وتستطيع تصدير نفسها، إلى هوية إسلامية تخضع للفتوى وقرار المرشد.
العامل الأمني مهم جدا في معالجة فكرة الإرهاب الإخواني، لكن ماذا أنتجنا من مشاريع في الهوية؟ وهذا ليس سؤالي.. هذا ما يريد الرئيس طرحه على كافة من التقاهم وتحاور معهم، وهو كما علمت يلملم أوراق معظم الحوارات التي أجراها في هذا الموضوع.
وزير الشباب الحالي يزن شديفات، مرن وعميق.. وهو يفهم فكرة انتاج مشاريع مرتبطة بالهوية والانتماء، ولكنه للأسف ورث وزارة، كانت في فترة رهينة لمشاريع منظمات المجتمع المدني، تحاورنا أكثر من ساعتين.. الرجل لديه القدرة على تشخيص الخلل ولديه القدرة على إنتاج ما يفتقده الشباب.
وزارة الشباب ووزارة الثقافة، هما أدوات الحكومة المهمة في مشروع الهوية.. وأظن أن الأفكار اكتملت لدى الرئيس، وأجزم أننا في البلد نحتاج شيئاً جديداً.. نحتاج لإعادة معسكرات الحسين للشباب، نحتاج لإنتاج الشبيبة الهاشمية.. نحتاج الذهاب إلى المحافظات، نحتاج أشياء لا يمكن أن يتسع المقال لعرضها.
الفكرة تمحى بالفكرة، والهوية هي الأساس لأي مشروع تنويري يحمي الدولة وعرشها ونسيجها الاجتماعي..
وليقولوا عني (سحيج)، على الأقل (السحيج) في العرف الأخلاقي تبقى أقل ضررا ممن يصنع الصواريخ لقتل الناس.