خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

سورية الحبيبة: بناء الجيش أم بناء الإنسان..؟؟

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. أيوب أبودية

في زمن تتبدّل فيه الأولويات وتتغير فيه ملامح الصراع العالمي، تُصرّ بعض الدول النامية، ومنها سورية، على الاستثمار في بناء الجيوش أكثر من بناء الإنسان. وبينما تتجه أمم خرجت من رماد الحرب إلى آفاق الازدهار والابتكار، ما زالت دولٌ كبلادنا ترى في الجندي والخندق خلاصاً، وفي البندقية حلاً. ولكن، هل ما زال السلاح هو الأداة المثلى لحماية الوطن؟ أم أن الزمن تغيّر، وبات العقل الحكيم اليوم هو من يستثمر في التعليم، والصحة، والغذاء، لا في المدافع والدبابات؟

سورية بلد عزيز على القلوب، وامتداد مادي ومعنوي لنا في الاردن، غني بتاريخه العريق وثرواته البشرية والطبيعية، ولكنه جُرّ إلى حروب طاحنة، داخلية وخارجية، أنهكت شعبه ودمّرت بناه التحتية وأهدرت موارده.

لعقود، تمّ تسييس فكرة الجيش السوري وتحويله إلى رمز سلطوي أكثر منه جهازاً وطنياً لحماية السيادة. لم يعد الجيش في كثير من الأحيان حامياً للمواطن بل أداة للهيمنة على إرادته. وها نحن نرى اليوم، بعد كل ما جرى، كيف أن الجيوش التي بُنيت لعقود على حساب الصحة والتعليم، كانت عاجزة عن حماية الأوطان أو حتى عن حماية نفسها، ففر قادتها مذعورين.

لننظر إلى تجارب جيوش مثل جيش القذافي في ليبيا، أو جيش صدام حسين في العراق، أو جيش الأسد في سورية. كانت هذه الجيوش تُصوَّر على أنها لا تُقهر، ولكنها انهارت سريعاً أمام صدمة الحروب أو الغزو، لأن قوتها كانت زائفة، مبنية على الخوف لا الولاء، وعلى الاستعراض لا الفاعلية. لم تحمِ الوطن، بل كانت أداة لحماية النظام، فدمرت البلاد وأذلت العباد.

جيش القذافي الذي أنفق على التسلح بلا حدود، تفكك أمام ثورة شعبية في أيام. وجيش صدام، رغم قوته العددية، لم يصمد أمام الاجتياح الأميركي وسرعان ما انهارت مؤسسات الدولة. أما جيش الأسد، فبعد أن تحوّل إلى أداة قمع داخلي، تورّط في حرب أهلية دمرت ما تبقى من بنية الدولة السورية، وفتحت أبواب التدخل الأجنبي.

لا نحتاج اليوم إلى المزيد من الجيوش في العالم النامي، بل إلى جيوش من المعلمين والأطباء والمهندسين والمزارعين. الشعوب الجائعة لا يحميها السلاح، بل تحميها التنمية ويقودها العلم. المواطن المظلوم والمضطهد والجائع لا يدافع عن وطنه، والمرضى لا تنفعهم القواعد العسكرية، بل المستشفيات. الأطفال لا يكبرون بالعقيدة القتالية، بل بالتعليم والغذاء.

في عالم اليوم، أصبح الاقتصاد ساحة الصراع الحقيقي. والتفوق لا يُقاس بعدد الدبابات بل بعدد براءات الاختراع والإنفاق على البحث العلمي ومؤشر رفاهية الشعوب وسعادتها. فالدول التي قهرت الفقر لم تفعل ذلك ببندقية، بل بمختبر، بمصنع، وبفكرة. طبعا نحن لا نتحدث عن زمن الاستعمار فالنضال ضده واجب ومشروع، واطلاقا لا نتحدث عن حق الفلسطيني في الدفاع عن وطنه، ولكن بشرط ألا ينقل المعركة إلينا.

بعد الحرب العالمية الثانية، خرجت اليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية منهكة ومدمرة. لم ترفع هذه الدول شعار «بناء الجيوش»، بل اختارت أن تبني الإنسان أولاً. اليابان حظرت دستورياً الحرب، وركّزت على التصنيع والتعليم. ألمانيا استثمرت في التعليم المهني، والمصانع، والرعاية الاجتماعية. كوريا الجنوبية تحولت من دولة فقيرة إلى واحدة من أكبر اقتصادات العالم خلال خمسين سنة فقط، من خلال التركيز على الإنسان قبل أي شيء. طبعا كانت هناك ظروف موضوعية ملائمة وربما يكون وجود الاتحاد السوفياتي آنذاك احد الاسباب التي جعلت الغرب يدعم اليابان وكوريا الجنوبية.

هذه الدول لم تبنِ جيوشاً ضخمة، لكنها بنت اقتصاداً يجعل أي اعتداء عليها مغامرة خاسرة. أصبحت قوتها ماثلة في رخائها، في قدرتها على إقناع العالم بأنها دول لا تُستفز، بل تُحترم. فهل نحن عاجزون عن التغيير؟

الجواب قطعاً لا. سورية تملك كل المقومات لتكون دولة رائدة في التنمية إذا ما تغيّرت العقليات. لدينا طاقات شبابية هائلة، وموارد طبيعية متنوعة، وموقع جغرافي استراتيجي. لكن هذا التغيير لا يمكن أن يحدث دون أن نُعيد ترتيب الأولويات. فيجب أن ننتقل من منطق «التجنيد الإجباري» إلى منطق «التعليم الإجباري». من بناء الثكنات إلى بناء الجامعات. من شعار «أمة عربية أو إسلامية واحدة ذات رسالة خالدة» إلى شعار «إنسان واحد، بصحة وتعليم وحياة كريمة خالدة». فالوطن لا يُبنى بالشعارات، بل بالخطط الذكية والعمل الجاد.

ختاماً، نقول إن حبّ سورية لا يكون في التطبيل لبناء الجيوش، بل في بناء مجتمع قادر على حل مشكلات مثل الجوع أو المرض او البطالة. نحن لا نحتاج إلى جيش يخبرنا أن العدو يتربص بنا، بل إلى ضمير حي يقول لنا إن الجوع عدو، والجهل عدو، والفساد عدو. وجميعنا يعرف مقولة الإمام علي عن الجوع.

سورية الحبيبة، آن لك أن تنهضي من تحت ركام الحرب، لا لتبني ثكنة جديدة، بل مدرسة جديدة، مشفى جديداً، حقل قمح، ومصنع أمل. وقبل ذلك كله احترام كرامة الإنسان مهما كانت أصوله وديانته ومذهبه، انتم جميعا اخوة، استبدلوا الانتقام بالعفو، لان العفو عند المقدرة، فإن لم تكونوا قادرين على العفو فافتحوا المجال لغيركم كي يحكم. فذاك هو الجيش من المواطنين الذي يُنتصر به في زمن العقول، لا البنادق.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF