تحل الشهر القادم، الذكرى الحادية عشرة لزيارة البابا الراحل فرنسيس، الى ديارنا الاردنية المقدسة، في مستهل زيارة الحج الى الاماكن المقدسة، مستذكرا وقتها 50 عاما على زيارة البابا بولس السادس.
أتت تلك الزيارة تلبيًة لدعوة قبلها البابا من الملك عبدالله الثاني لزيارة المملكة الأردنية الهاشمية، وكذلك هي تلبية لدعوة مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة، الذي يرأسه بطريرك اللاتين بالإضافة إلى رغبة قداسته الشخصية لزيارة الارض المقدسة.
عمّقت زيارة البابا فرنسيس العلاقات الدبلوماسية بين المملكة الأردنية الهاشمية، وحاضرة الفاتيكان–الكرسي الرسولي، وأتت في ذكرى مرور عشرين عامًا على إنشائها منذ عام 1994، وهي علاقات تميّزت دومًا بالصداقة والتعاون لما فيه خير الإنسان، وحماية الأراضي المقدسة، ودعم الجهود الأردنية الحثيثة للعدل والسلام في المنطقة. وكانت مناسبة لدعم السياحة الدينية إلى الأماكن المقدسة الأثرية في المملكة، وبخاصة إلى موقع المعمودية–المغطس. وسوف نتكلم بمقال آخر ان شاء الله، حول تطوّر العلاقات الدبلوماسية بين المملكة الاردنية والفاتيك?ن، في عهد البابا الكبير فرنسيس.
أتى البابا فرنسيس، المميّز بالبساطة والتواضع والدعوة إلى السلام والحوار، في وقتٍ ما زالت فيه المنطقة تعاني تعقيدات سياسية، وانتهاكات لكرامة الإنسان والاعتداء على حياته. وكانت هذه الزيارة صرخة سلام، مشيدًا بجهود الملك عبدالله الثاني وداعيًا إياه «رجل السلام»، وتأييدًا لما يقوم به الأردن من اهتمام بإحلال السلام والعدالة، وبخاصة في فلسطين التي حطت فيها طائرة أردنية عمودية مباشرة من مطار عمّان إلى مهبط في بيت لحم التي احتفل فيها بقداس حاشد، ووقف عند الجدار العازل مصلياً بشكل مؤثر. وكذلك برز الاهتمام باللاجئين ?لسوريين الذين التقى بهم في موقع المعمودية، ودعم المبادرات الأردنية للحفاظ على الهوية العربية المسيحية، ونبذ العنف والاعتداء على المقدسات، وعلى كرامة الإنسان.
أبدى البابا فرنسيس -الذي أكد من أول أيام حبريته- رغبته في متابعة الحوار بين الأديان، وبخاصة كما ورد على لسانه «الحوار مع الإسلام والمسلمين». من أجل تعميق العلاقات الطيبة التي تربط مسلمي هذه البلدان العربية بمسيحييها، منذ اقدم العصور، وكما عملت الزيارات البابوية السابقة، أسهمت هذه الزيارة في تكثيف الدعوات إلى الاحترام المتبادل، وبمضاعفة الجهود الرامية إلى احترام التعددية الدينية، في جو من المحبة والتعاون، وروح المواطنة الحقيقية. ومن الجدير بالذكر، أن الزيارة قد جاءت في ذكرى مرور 50 عامًا على إنشاء المجلس ال?ابوي للحوار، وكذلك على وثيقة «في عصرنا» Nostra Aetate التي فتحت باب الحوار بين المسيحيين والمسلمين على مصراعيه.
وبعد، وفيما نترحم على روح البابا البسيط والمتواضع، فانّنا نشكره على محبته للاردن، واشادته الدائمة بالموقف الاردني المرحب والحاضن للكثير من المهجرين، ودعواته للسلام في فلسطين، وقد ارتبط قداسته رحمه الله، بصداقة مع جلالة سيدنا حفظه الله، وفي كل اللقاءات التي تشرفت بمقابلته، وكان آخرها في نهاية كانون الثاني هذا العام، حين قدّمت له لوحة تمثل كنيسة المغطس الجديدة، فكان دائما يقول: «سلم على جلالة الملك، فهو رجل سلام»...
سلاما على روحك الطاهرة يا بابا فرنسيس!
Abouna.org@gmail.com