(المضمون: ما حدث في غزة أول أمس يشبه في فظاعته ما حدث من قتل وفظائع في كشنيف قبل 122 سنة. ولكن لا يتم السماح لأي شاعر أو صحفي فلسطيني بالوصول اليها وتوثيقها كما فعل بياليك عندما وثق المذبحة في كشنيف - المصدر).
"اذهب الى مدينة القتل/ ستصل الى الساحات/ بعيونك سترى وبيديك ستلمس/ على الاشجار والحجارة/ طين الجدران/ الدماء المتخثرة والدماغ المتجمدة للشهداء». (حاييم نحمان بياليك، قصيدة «مدينة القتل").
في عيد الفصح المسيحي في 1903، في مثل هذا الاسبوع قبل 122 سنة، اندلعت في كشنيف الموجودة في بيساربيا اعمال شغل ضد اليهود. الصحف الروسية لم تنشر عن هذه الاعمال. «نيويورك تايمز» نشرت عنها بتوسع. الرئيس الامريكي في حينه ثيودور روزفلت، اعلن بأنه لم يشعر في أي يوم بتعاطف كبير مع أي شيء مثلما شعر تجاه الضحايا. صور الجثث الملفوفة بالاكفان نشرت على الصفحات الاولى في الصحف الامريكية. المصطلح الروسي «مذبحة» ولد في حينه. وقد أدان واتهم ليف تولوستوي ومكسيم غوركي الحكومة الروسية.
بياليك كتب عن «الذبح» وذهب الى كشنيف ضمن بعثة بادر اليها المؤرخ شمعون دوفنوف. وقد تواجد في المدينة خمسة اسابيع، وحضر محاكمة حفنة المشاغبين الذين تم الحكم عليه بالسجن لسنوات قليلة، وقام بتحرير اسماء الشهداء. عندما عاد نشر قصيدة «في مدينة القتل». زئيف جابوتنسكي ترجم هذه القصيدة الى اللغة الروسية، هرتسل بلور خطة اوغندا، في الـ 122 سنة التالية تحولت اعمال الشغب في كشنيف الى اسطورة شكلت وعي اليهود الى الأبد. لا يوجد أي طفل في اسرائيل لم يسمع عنها. اقوال بياليك عن «الذبح": «هذا الانتقام/ انتقام لدم طفل صغير/ لم يخلقه الشيطان بعد»، و"اذا كانت توجد عدالة لتظهر على الفور!»، اصبحت صياغة لغوية موجهة دائما لوصف الضحية اليهودية والاسرائيلية.
المذبحة استمرت ثلاثة ايام. وقد بدأت في اليوم السابع لعيد الفصح اليهودي، الذي صادق ايضا في 19 نيسان، أي مثل أمس، والذي كان ايضا اليوم الاول لعيد الفصح المسيحي. مئات بيوت اليهود تم نهبها وتدميرها. الاسقف بارك المشاغبين. لقد اغتصبوا ورموا الاطفال الرضع من الطوابق العليا وغرسوا المسامير في رؤوس الضحايا وفقأوا عيونهم. المحقق بياليك وجد اشلاء محطمة في حديقة للخضراوات واسطبل اصبح مسلخا للبشر.
كم شخص قتل في اعمال الشغب هذه؟ 49 شخص. وهو رقم يشبه تقريبا عدد الذين قتلوا في غزة أول أمس. يوم جمعة عادي في غزة. لقد قتلوا بسبب الهجمات الجوية ومن الدبابات في اطار دفاع اليهود عن النفس. الصحف الاسرائيلية، بالضبط مثل الصحف الروسية قبل 122 سنة، لم تنشر أي شيء تقريبا. الاساقفة المحليين، الحاخامات ومن يعلمون الشريعة عندنا، لم يتوقفوا عن مباركة القتلة ومن يقومون بعمليات القصف، مثلما في كشنيف في 1903.
من بين الـ 47 قتيل في غزة أول أمس كانت امرأة حامل والكثير من الاطفال. اربعة اطفال قتلوا في قصف صالون حلاقة في خانيونس، خمسة ابناء عائلة قتلوا على مدخل المدينة. في الشبكات الاجتماعية نشر فيلم فيه تم توثيق خمس جثث لاطفال متفحمين بسبب الاحتراق على شراشف بيضاء في المستشفى. صور مخيفة كهذه أنا لم اشاهد طوال حياتي.
خلافا لكشنيف فانه في غزة لا يرمون الاطفال من النوافذ، لكنهم يحرقونهم حتى الموت. من هو الاخلاقي الذي سيتجرأ على القول بأن احراق الاطفال على قيد الحياة وهم في خيمة لاجئين في «المنطقة الآمنة» صادم اقل من رميهم من النوافذ؟ من هو المنافق الذي سيتجرأ على القول بأن جنود الجيش الاسرائيلي «لا يتعمدون قتل الاطفال» بعد أن قتلوا في السابق آلاف الاطفال والرضع؟. اعمال الشغب في كشنيف تشبه يوم عادي للجيش برئاسة ايال زمير في غزة. الاعمال الفظيعة في 7 اكتوبر تعتبر شهر بالمتوسط مثلما في غزة.
بياليك لا يمكنه زيارة مدينة القتل في غزة. اسرائيل لا تسمح لأي مراسل بفعل ما فعله الشاعر الوطني، وتوثيق الاعمال الفظيعة وكتابة «في مدينة القتل 2». لو أنه استطاع لكان بالتأكيد سيكتب «الآن ماذا يوجد لك هنا، أيها الانسان/ قم واهرب الى الصحراء/ احمل معك كأس الاحزان/ قطّع نفسك الى عشر قطع/ اعط قلبك ليكون أكل لشخص عاجز/ دموعك اسكبها هناك فوق صخرة/ ازأر بالصرخة الاخيرة والمريرة، التي ستضيع في العاصفة».
(هآرتس)