كتاب

الذرائع تتهاوى.. تحقيقات "التصنيع الارهابي" تفضح تبريرات "الأخوان"

تنبئ نمطية مقاربات الجماعات التي تحترف استثمار العاطفة الدينية، بتكتيكاتها القائمة على 'التقية' كأسلوب في الخطاب والممارسة، عبر تبرير انزلاقاتها أو لنقل 'انحرافاتها' الخطيرة، على نحو ما كشفت عنه دائرة المخابرات العامة أخيراً، وأوضحت ملابساته الحكومة، بحجج تبطلها الوقائع. وعلى غرار هذه الجماعات، ما فتئ 'الأخوان المسلمون' في الأردن ومناصروهم، يحاولون تغليف مشاريعهم المثيرة للريبة والغموض، بغلاف العاطفة الدينية، فيقدمون حساباتهم الحزبية على أنها امتداد لقضايا الأمة.

لا تأتي هذه الممارسات صدفة، بل هي جزء من نهج متكامل يُراهن على التضليل وخلط الأوراق لإحداث اختراق في بنية الدولة والمجتمع، وصولًا إلى لحظة التمكين التي طالما حلمت بها هذه الجماعات.

الإخوان المسلمون، أعادوا في الأيام الماضية إحياء هذا التكتيك، من خلال تبني روايات ملتبسة للدفاع عن خلية 'خلية التصنيع الإرهابي'. تحت ستار 'دعم المقاومة'، إذ تحاول الجماعة وأنصارها تبرئة الضالعين بمخططات أفراد الخلية من تهمة المساس بالأمن الوطني الأردني، عبر القفز إلى الحجة الأكثر مبيعاً في الشارع 'الشعبوي'؛ دعم المقاومة، الأمر الذي يكذبه المتورطون أنفسهم بهذا الفعل الشائن، حين تشير أقوالهم بوضوح إلى نواياهم التخريبية العابرة للحدود، والتي تهدد الأمن الأردني الداخلي.

هذا النمط من الالتفاف على الحقيقة، واستثمار الشعور الجمعي تجاه فلسطين، ليس جديدًا. إنه جزء من استراتيجية قائمة على استغلال الوجدان الشعبي من بوابة القضايا العادلة، توطئة لتنفيذ أجندات خاصة تُدار خارج حدود الدولة. وبينما تتكشف الحقائق والمخاطر بالأدلة، تواصل هذه الجماعات نسج سرديات بديلة تسعى لتزييف الوعي العام واستدرار التعاطف، فتظهر نفسها وكأنها تقاتل نيابةً عن الأمة، في حين أنها تقاتل من أجل تثبيت ذاتها في معادلات النفوذ، وهي الذات الاخوانية التي تشكل بالضرورة مشروعاً نقيضا لفكرة الأوطان، التي لا تعدو بالنسبة لها مجرد ساحات للتعبئة والتجنيد والتحشيد.

لكن الفارق أن الوقائع هذه المرة لا تحتمل التأويل، والقادم من الأيام سيكشف زيف الأداة كما زيف المشروع والذرائع. وما ساقه المتهمون وفقاً لمعلومات حصلت عليها 'الرأي' يظهر أن الهدف لم يكن نقل السلاح إلى فلسطين المحتلة، كما يُدّعى، بل تنفيذ عمليات تمس الأمن داخل الأراضي الأردنية!. أكثر من ذلك تؤكد الاعترافات أنهم كانوا جزءًا من شبكة غير منضبطة، مرتبطة بعناصر خارجية، تُصدر إليهم التعليمات وتحدد لهم مواقع التخزين وأهداف التحرك.

الاعترافات للمتهمين بيّنت أنهم لم يعرفوا أصل السلاح ولا وجهته، وأن مهماتهم اقتصرت على نقل أو تخزين متفجرات تسلموها من مجهولين، أو إخراجها من مواقع دُفنت فيها سابقًا بتنسيق من عناصر خارجية. أحدهم تحدث عن تلقي أوامر ميدانية من خارج البلاد دون أن يعلم الهدف الحقيقي منها. بل إن المؤشرات جميعها تفيد بأن هناك من كان بانتظار ساعة الصفر لتنفيذ عمليات داخل الأردن، مع تعليمات توجههم إلى الزعم بأن المتفجرات هي لدعم المقاومة، إن أصبحوا في قبضة الأمن.

والدليل الأكثر وضوحا، أن أيا من المتهمين لم يقرّ بأن السلاح كان معدًا للتهريب، بل كانت الأدوار موزعة بشكل يثير القلق: نقل مواد من نقطة إلى أخرى دون معرفة الجهة المستفيدة، أو تخزين متفجرات داخل منازل سكنية. لكم أن تتخيلوا أن أحد المتهمين خزّن أسلحة في منزل والده، ما يطرح سؤالاً حول مدى استهانته، هو ومن على شاكلته، بالأمن المجتمعي، إذا لم يكن يعبأ بأمن أسرته هو!. مثل هذه التفاصيل ليست 'دعما للمقاومة'، بل تهديد صريح ومباشر للأمن الوطني الأردني.

وإذا كان بعضهم قد خُدع بوعود أو ضُلّل بأوهام بأن هذه العمليات جزء من 'العمل المقاوم'، فإن ذلك لا يعفيهم من المسؤولية الجنائية والأخلاقية. بل هو دليل إضافي على حجم الخرق الذي أصاب وعي بعض الشباب الذين تلاعبت بهم أيدٍ خارجية، فيما اكتفى المروجون في الداخل بإعادة إنتاج سردية مفلسة، تغض الطرف عن خطر اختراق السيادة الأردنية، وانتشار السلاح، والمخدرات، واستهداف أبناء الجيش العربي على الحدود.

ما جرى ليس حدثًا معزولًا. بل هو امتداد لتاريخ طويل من التلاعب بالعاطفة الدينية والوطنية في سبيل مشاريع لا تخدم لا فلسطين ولا الأردن، بل تعيد المنطقة إلى دوامة الفوضى تحت لافتات برّاقة.

الخطر الحقيقي ليس فقط في هذه الخلية، بل في الخطاب الذي يشرعنها، ويحاول تصويرها كعمل نضالي. وهو خطاب يجب أن يُواجه بالقانون والوعي الوطني، لأن بقاءه دون مساءلة يعني فتح الباب ...