كتاب

الإخوان المسلمون.. ازدواجية الخطاب ومعاداة الدولة الأردنية

منذ نشأتها، حملت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن خطابًا ملتبسًا، ومواقف متقلبة، تتراوح بين الشعارات الدينية والعمل السياسي، وبين ادعاء الولاء للدولة، والطعن في مؤسساتها. ورغم محاولات التجمّل التي ظهرت في بعض مراحلها، فإن التاريخ السياسي لهذه الجماعة يكشف بوضوح نواياها الحقيقية في تقويض استقرار الدولة والتشكيك في مشروعها الوطني.

لقد قدّمت الدولة الأردنية، عبر عقود، أقصى درجات التسامح والانفتاح مع الجماعة، وسمحت لها بالعمل العلني، والنشاط في المجالات الاجتماعية والتعليمية والسياسية، حتى باتت واحدة من أبرز القوى الحزبية في المشهد العام. إلا أن هذا الاحتواء لم يُقابل بالوفاء، بل بتمدد تنظيمي مريب، وتحالفات إقليمية مشبوهة، وانخراط في أجندات خارجية تهدد وحدة الأردن واستقراره.

ففي اللحظات المفصلية من تاريخ الأردن، لم تكن الجماعة سندًا للدولة، بل كانت تتقاطع مع مشاريع الفوضى، وتمارس خطابًا مزدوجًا، يخاطب الداخل بلغة المصالح، والخارج بلغة التحريض. وكان الأبرز في ذلك موقفها من القضية الفلسطينية، إذ طالما استثمرت الجماعة في هذه القضية لأغراض شعبوية، لكنها لم تتوانَ عن مهاجمة الدور الأردني المحوري في حماية القدس والمقدسات، بل وذهبت إلى حد التشكيك في الوصاية الهاشمية نفسها، خدمة لأجندات غير وطنية.

ولعل الموقف من الدولة المدنية والإصلاح السياسي يعكس كذلك ازدواجية الجماعة؛ فهي ترفع شعار الإصلاح، بينما تمارس الإقصاء داخل صفوفها، وتحتكر 'الحقيقة' باسم الدين. هي ضد الفساد قولًا، لكنها تتغافل عن فسادها الداخلي المالي والتنظيمي. هي مع الديمقراطية حين تضمن لها الأغلبية، وضدها حين تفرض عليها التعددية. أما في الأزمات الوطنية الكبرى، فقد اختارت الجماعة الوقوف في الضفة الأخرى من الدولة، كما فعلت إبان الأزمة الاقتصادية، أو خلال مراحل مكافحة الإرهاب والتطرف، حين كانت بياناتها تميل إلى التبرير بدل الإدانة، وتلجأ إ?ى الغموض بدل الوضوح، محاولة استثمار تلك اللحظات لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة على حساب الوطن.

إن معاداة الجماعة للأردن لم تكن دائمًا صريحة، لكنها كانت دائمًا حاضرة في العمق: عبر محاولات خلق حالة من عدم الثقة بين المواطن والدولة، وبث الشائعات، وتغذية خطاب الانقسام، وادّعاء احتكار الدين والأخلاق.

واليوم، ومع ما تشهده المنطقة من تحولات، بات من الضروري مواجهة خطاب الجماعة بما يستحق من كشف وتحليل ومحاسبة. فالوطن لا يُبنى على التساهل مع من يتربص به، ولا يُحمى بمن يساوم على هويته. والإصلاح الحقيقي لا تصنعه جماعة تعيش في الماضي، وتتحرك بتعليمات من خارج الحدود.

الأردن أقوى من كل المؤامرات، بوعيه الشعبي، وبقيادته الهاشمية الحكيمة، وبمؤسساته التي تتطهر باستمرار. أما جماعة الإخوان، فستظل نموذجًا صارخًا على كيف يمكن أن يتحوّل 'الدين' في الخطاب السياسي إلى وسيلة للهيمنة، لا إلى جسر للإصلاح والبناء.