كتاب

مراجعة صندوق النقد الدولي وشهادة جديدة لمتانة وقوة الاقتصاد الأردني

شهد الأردن خلال الفترة من 6 إلى 17 نيسان 2025 حدثاً اقتصادياً مهماً تمثل في زيارة بعثة صندوق النقد الدولي إلى عمّان لإجراء المراجعة الثالثة ضمن برنامج «تسهيل الصندوق الممدد» (EFF) ومناقشة برنامج «تسهيل الصلابة والاستدامة. وقد توصل الفريق إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع السلطات الأردنية، مما يعكس التزام الأردن المستمر بالسياسات الاقتصادية السليمة وبرامج الإصلاح الهيكلي، رغم التحديات الإقليمية والدولية. وفي حال موافقة إدارة صندوق النقد الدولي والمجلس التنفيذي على هذا الاتفاق، سيؤدي ذلك إلى توفير مبلغ قدره 97.?84 مليون وحدة من حقوق السحب الخاصة (حوالي 130 مليون دولار أمريكي) من أصل 926.370 وحدة حقوق سحب خاصة (حوالي 1.2 مليار دولار أمريكي) المتفق عليه سابقاً.

أبرز مخرجات زيارة صندوق النقد تؤكد أن أداء البرنامج الاقتصادي الأردني ظل قوياً بالرغم من بيئة خارجية صعبة ناجمة عن النزاعات الإقليمية. فقد سجل الاقتصاد الأردني نموًا بنسبة 2.5% في عام 2024، مع توقعات بارتفاع النمو إلى 2.7% في عام 2025، مدعوماً بتعافي النشاط المحلي والسياحة وزيادة تدفقات الاستثمار. كما بقي التضخم منخفضًا عند نحو 2%.

من ناحية أخرى، أشار صندوق النقد إلى ارتفاع عجز الحساب الجاري إلى 5.9% من الناتج المحلي الإجمالي في 2024، حيث كان لتراجع إيرادات قطاع السياحة دور كبير في ارتفاع هذا العجز، إلا أنه من المتوقع أن يتحسن تدريجياً إلى 5.5% مع زيادة عائدات السياحة وتحسن الصادرات في عام 2025. وقد ساهمت السياسات النقدية الحكيمة للبنك المركزي الأردني، لا سيما في الحفاظ على ربط الدينار بالدولار الأمريكي، في دعم الاستقرار النقدي، مستفيدة من احتياطي دولي قوي.

كما أشاد خبراء الصندوق بالتزام السلطات الأردنية بخفض الدين العام تدريجياً إلى نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2028، مع استمرار التركيز على حماية الإنفاق الاجتماعي وزيادة كفاءة المالية العامة.

في ظل هذه المعطيات، يظهر أن الاقتصاد الأردني يمتلك مقومات حقيقية للصمود أمام تحديات رفع الرسوم الجمركية أو التوترات التجارية، مستنداً إلى تحسن المؤشرات الكلية، وتقدم الإصلاحات، والدعم الدولي. ومن المتوقع أن تساهم مشاريع استثمارية كبرى، مثل مشروع الناقل الوطني، في تعزيز النمو في المستقبل.

يدعم هذه المؤشرات الاقتصادية الصادرة عن صندوق النقد الدولي تقارير دائرة الإحصاءات العامة الأردنية التي صدرت حديثاً لمؤشرات الربع الرابع من عام 2024، حيث أظهرت نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.7% مقارنة بالربع الرابع من 2023، ونمواً سنوياً كاملاً بلغ 2.5% بالأسعار الثابتة مقارنة مع عام 2023، وهي أعلى من نسبة النمو التي قُدرت بـ 2.3% عند إعداد خطاب الموازنة لعام 2025.

وعلى مستوى قطاعات الإنتاج السلعي، حقق قطاع الزراعة أعلى معدل نمو بنسبة 8.4% مما يدل على كفاءة ونجاعة الجهود والسياسات التي تبنتها وزارة الزراعة لدعم هذا القطاع الحيوي والاستراتيجي، تلاه قطاع الصناعات التحويلية بنسبة 4.9%، ثم الصناعات الاستخراجية بنسبة 4.5%، وقطاع الكهرباء والمياه بنسبة 4.2%. بينما القطاعات الخدمية حققت معظمها نسب نمو في الربع الرابع من عام 2024، حيث حقق قطاع النقل والتخزين والاتصالات نمواً بلغ 3.7%، ومن ثم قطاع تجارة الجملة والتجزئة والفنادق والمطاعم بنسبة نمو 3.1%.

وفيما يتعلق بمساهمة القطاعات الاقتصادية في الناتج المحلي الإجمالي فقد كان لقطاع الصناعات التحويلية المساهمة الأكبر بنسبة 18.7%، تلاه قطاع المالية والتأمين والخدمات العقارية بنسبة 17.2%، ثم قطاع منتجو الخدمات الحكومية بنسبة 14.8%. بينما كانت أبرز المساهمات في تحقيق النمو الاقتصادي البالغ 2.7 نقطة مئوية (2.7%) لعام 2024 هي مساهمة قطاع الصناعات التحويلية بمقدار 0.90 نقطة مئوية، ومن ثم قطاع الزراعة بمقدار 0.53 نقطة مئوية، تلاه قطاع النقل والتخزين والاتصالات بمقدار 0.33 نقطة مئوية من معدل النمو المتحقق.

وهذا بدوره يُعد رسالة قوية على نجاح سياسات الحكومة في تعزيز مناعة وصمود الاقتصاد الأردني لتجاوز الظروف الإقليمية الصعبة لعام 2024، والتي كان لها تماس مباشر مع معظم القطاعات الاقتصادية في الأردن.

أما الإنتاج الصناعي، فقد سجل ارتفاعاً بنسبة 4.11% في شباط 2025 مقارنة بشباط 2024، كما سجل نمواً تراكمياً بنسبة 3.43% خلال الشهرين الأولين من عام 2025. وفي المقابل، أظهرت أسعار المنتجين الصناعيين استقراراً مع انخفاض طفيف بنسبة 0.17% في شباط 2025 مقارنة بالشهر نفسه للعام السابق، مما ساعد في إبقاء معدلات التضخم ضمن مستويات مقبولة.

وفي هذا السياق، تشكل هذه المنجزات الاقتصادية ركيزة قوية للأردن لتعزيز دوره الإقليمي، خصوصاً في ظل حاجة دول الجوار مثل لبنان وسوريا ومصر إلى شراكات اقتصادية بناءة ومستقرة. ويتيح صمود الاقتصاد الأردني ومرونته، كما تؤكده تقارير صندوق النقد الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني، فرصة كبيرة للترويج للأردن كوجهة آمنة للاستثمار الأجنبي، خاصة بعد التراجع الذي شهدته تدفقات الاستثمار الخارجي العام الماضي. إن قدرة الأردن على إدارة أزماته بكفاءة، وتقديم بيئة اقتصادية مستقرة وسط التوترات الجيوسياسية، تمنحه نقطة قوة استراتيج?ة لجذب الاستثمارات وتعميق التكامل الاقتصادي مع المحيط العربي، وهو مسار حيوي للنمو المستدام خلال المرحلة المقبلة.

ختاماً، تجدر الإشادة بالجهود الحثيثة التي تبذلها حكومة دولة الدكتور جعفر حسان والفريق الاقتصادي، والتي كان آخرها الزيارة الرسمية إلى العاصمة الأمريكية واشنطن. وقد هدفت هذه الزيارة إلى تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي مع الولايات المتحدة، والتفاوض حول خفض الرسوم الجمركية المفروضة على الصادرات الأردنية، بالإضافة إلى إجراء لقاءات مهمة مع كبار مسؤولي صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لدعم برامج الإصلاح الاقتصادي الأردني. وتؤكد هذه التحركات حرص الحكومة الأردنية على استثمار صلابة الاقتصاد الوطني لتعميق شراكاته الدو?ية، وجذب المزيد من الاستثمارات، وتعزيز مسار التنمية المستدامة في المرحلة المقبلة.