كتاب

الرسوم الجمركية الأميركية على الأردن: أبعاد اقتصادية وزيارة في توقيت حاسم

منذ فرضت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب رسوماً جمركية على واردات متعددة من دول العالم، بما فيها الأردن، بدأت تظهر تداعيات هذه السياسات الحمائية على الاقتصاد الأردني، الذي يرتبط بعلاقات تجارية واستراتيجية قوية مع الولايات المتحدة. هذه الرسوم، التي جاءت ضمن سياسة 'أميركا أولاً'، استهدفت تقليص العجز التجاري الأميركي، لكنها تسببت بإرباك واضح في علاقات واشنطن الاقتصادية حتى مع حلفائها المقربين.

بالنسبة للأردن، يمكن ان يكون التأثير أكثر حدة على الصناعات التصديرية التي تعتمد بشكل كبير على السوق الأميركية، خصوصًا صناعة الألبسة والمحيكات، والتي تشكل نحو 23% من إجمالي الصادرات الوطنية. حيث تتركز الصادرات الأردنية إلى السوق الأميركية على الألبسة وتوابعها، والحلي المجوهرات، الأسمدة، ومحضرات الصيدلة، وخدمات التكنولوجيا المعلوماتية، والمواد الغذائية. بينما تتمثل مستوردات المملكة من أميركا، في المنتجات المعدنية ومعدات النقل والآلات والمنتجات الكيماوية والأجهزة الطبية ومنتجات صناعة الاغذية. بالتالي ارتقاع الرسوم الجمركية سوف يتسبب بانخفاضتنافسية تلك السلع المصدرة بسبب ارتفاع تكلفة دخول السوق الأميركي مقارنة بمنتجات من دول منافسة تحتفظ بإعفاءات جمركية.

صحيح أن بعض القطاعات التصديرية للسوق الامريكي ليست الاعلى تشغيلاً للاردنيين وقيمتها المضافة بالاقتصاد منخفضة (وهو ما أشارت اليه رؤية التحديث الاقتصادي وأكدت على أهمية العمل لتكون نسب تشغيل الاردنيين هي الاعلى في قطاع الملابس والمحيكات مثلاً) إلا أن الانخفاض المتوقع بحوالي 25% في منتجات قطاع الألبسة للولايات المتحدة على سبيل المثال، وبحسب بعض الدراسات قد يؤدي إلى فقدان 10-15 ألف وظيفة مباشرة، تعد القوى العاملة من النساء المتأثر الأكبر بها فيها حيث يشكلن 60% من العاملين في قطاع الالبسة!

في هذا السياق، تكتسب زيارة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان إلى واشنطن هذا الأسبوع أهمية استثنائية. فإلى جانب بعدها السياسي والاستراتيجي، فإنها تمثل محاولة لإعادة صياغة العلاقة التجارية مع الولايات المتحدة على أسس أكثر توازناً. اللقاءات التي عقدها حسان مع وزير التجارة الأميركي، والممثل التجاري الأميركي، تأتي ضمن مسار تفاوضي مباشر يهدف إلى فتح قنوات جديدة لمعالجة الملفات التجارية العالقة، وعلى رأسها الرسوم الجمركية التي تحد من انسياب الصادرات الأردنية.

كما أن الرسالة التي يحملها حسان للإدارة الأميركية ترتكز على ثلاثة محاور: أولًا، إبراز الأثر الاقتصادي والاجتماعي للرسوم الجمركية على الاقتصاد الأردني، ثانيًا، الدعوة لإعادة النظر في بعض بنود الاتفاقيات التجارية القديمة لتشمل تسهيلات جديدة تعزز نفاذ المنتجات الأردنية، وثالثًا، دعم الاستثمار الأميركي المباشر في الأردن، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة المتجددة، لتعويض جزء من الخسائر الناجمة عن السياسات التجارية السابقة.

من المهم الإشارة إلى أن السياق الدولي اليوم يختلف عن فترة إدارة الرئيس بايدن. فالإدارة الحالية بقيادة الرئيس دونالد ترامب أبدت مرونة اقل تجاه شركاء واشنطن التقليديين، وخاصة الدول التي تلعب أدوارًا محورية في استقرار الإقليم مثل الأردن. لكن الظروف العالمية – بما فيها اضطرابات سلاسل التوريد والضغوط التضخمية – ستدفع الولايات المتحدة للبحث عن شركاء موثوقين قادرين على تأمين سلع ذات جودة وأسعار تنافسية، وهو ما يمكن أن يلعب لصالح الأردن إذا أحسن إدارة الملف.

زيارة رئيس الوزراء إلى واشنطن ليست حدثًا بروتوكوليًا، بل تمثل فرصة استراتيجية لإعادة تفعيل القنوات الاقتصادية مع الشريك التجاري الأكبر للأردن. ومع وجود دعم من مؤسسات دولية كالبنك الدولي وصندوق النقد، فإن الأردن في موقع تفاوضي قوي إذا ما استثمر هذه الزيارة في تحقيق مكاسب ملموسة في ملف الرسوم الجمركية، وهو ما سينعكس إيجابًا على معدلات النمو، التوظيف، وتحقيق أهداف رؤية التحديث الاقتصادي التي تراهن على زيادة الصادرات بنسبة 30% حتى عام 2030.

رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية