الإخوان المسلمون في الأردن.. بين الخطاب العاطفي واستحقاقات الدولة..
01:12 17-4-2025
آخر تعديل :
الخميس
لطالما شكّلت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن أحد المكونات السياسية ذات الامتداد التاريخي، بدأت مسيرتها منذ أربعينيات القرن الماضي، مستندة إلى خطاب ديني إصلاحي، ومشاركة في الحياة العامة من خلال البرلمان والنقابات والبلديات. غير أن التحولات الإقليمية والمحلية كشفت في السنوات الأخيرة عن تغير في أسلوب الجماعة وخطابها، لاسيما في ظل أحداث غزة الجارية.فبينما تقف الدولة الأردنية موقفًا ثابتًا وواضحًا في دعم القضية الفلسطينية، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، الذي يُعدّ صوتًا دوليًا صادقًا في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، تحاول الجماعة اليوم استثمار المشهد الدموي في غزة لتكريس حضورها السياسي، عبر خطاب تعبوي يتجاوز الإجماع الوطني، ويجنح في بعض الأحيان إلى استعراض القوة في الشارع.لقد لوحظ خلال الأشهر الماضية سعي الجماعة إلى تصدر المشهد الشعبي، مستغلة مشاعر الأردنيين المتعاطفين بطبعهم مع أشقائهم في غزة، لتوجيه رسائل سياسية تتجاوز حدود الدعم الإنساني والأخلاقي، وتلامس مفردات الاستقواء، في لحظة وطنية يُفترض أن تكون فيها الوحدة الداخلية أولى من المكاسب الفئوية.وما يثير التساؤل هو أن الجماعة، بدلًا من أن تصطف مع الموقف الرسمي والشعبي في دعم غزة ضمن إطار الدولة، تحاول تأطير التحركات الشعبية تحت عباءتها الحزبية، في تكرار لنهج يتجاوز منطق الشراكة الوطنية، ويستحضر حسابات تنظيمية لم تعد تنطلي على الرأي العام.وفي الوقت الذي تواجه فيه الدولة الأردنية تحديات أمنية واقتصادية، وتعزز نهج الإصلاح السياسي عبر قوانين حديثة تنظم الحياة الحزبية، كان الأولى بالجماعة أن تجدد أدواتها وتعيد صياغة خطابها بما ينسجم مع مصلحة الوطن، لا أن توظف المأساة الإنسانية في غزة لتحقيق مكاسب سياسية آنية.لقد قدّمت الدولة الأردنية نموذجًا فريدًا في دعم فلسطين، ميدانيًا وسياسيًا، من خلال الجهود الملكية المتواصلة، والمساعدات الإغاثية، والمواقف الدبلوماسية الشجاعة، ما يجعل أي خطاب يتجاوز هذه الجهود أو يطعن فيها، أقرب إلى المغالاة منه إلى التعبير المسؤول.إن اللحظة الراهنة تتطلب من الجميع، أحزابًا ونقابات وأفرادًا، أن يتكاتفوا في خندق الدولة، لا أن يزايدوا عليها، فالأردن ليس ساحة لتصفية الحسابات، بل وطن لكل أبنائه، وقضيته المركزية ليست ورقة تفاوضية، بل التزام أخلاقي وتاريخي لا يقبل التأويل.اليوم، تقف الجماعة أمام لحظة مفصلية، تحتاج فيها إلى مراجعة شاملة، تبدأ بإعادة بناء العلاقة مع الدولة، وتنتهي بتجديد الخطاب والهيكل التنظيمي، إذا ما أرادت الاستمرار كفاعل سياسي مؤثر ضمن بيئة حزبية وقانونية جديدة، فرضها قانون الأحزاب والانتخابات الأخير، وتدفع نحو التحول الديمقراطي في إطار الدولة المدنية.