كتاب

المطران سليم الصايغ يدخل عامه التسعين

يدخل المطران سليم الصايغ هذا الاسبوع عامه التسعين، وهو من الاساقفة الاجلاء الذين خدموا الكنيسة في الاردن، باخلاص كبير، ولمدة تجاوزت الثلاثين عاما، وترك بصمات روحية وثقافية وانسانية. فقد ولد سليم الصايغ في السادس عشر من نيسان عام 1935، في بلدة ارميمين وأصبح كاهنا في القدس عام 1959، ثم سمي مطراناً في الفاتيكان عام 1982 على يد البابا يوحنا بولس الثاني أي عندما كان عمره 48 سنة فقط. ولمّا كان على كل أسقف أن يقدّم استقالته عند بلوغه 75 سنة، فتقدم بها عام 2010 وقبلها البابا بندكتس عام 2012.

في بداية عهد المطران الجديد في بداية الثمانينيات، كانت مطرانية اللاتين ما زالت في جبل اللويبدة قرب كنيسة البشارة، وجاء خلفاً للمطران نعمة سمعان المعروف بحضوره الاجتماعي والوطني البارزين، فاختار المطران سليم أن يكون حضوره مميّزاً وخاصاً، وهو حضور رجل الدين في الميادين العامّة، دون أن يتم التنازل عن أي موقف ديني أو عقائدي أو قانوني. وكان هدفه الذي لازمه على مدار ثلاثة عقود: إرضاء الناس يأتي بعد إرضاء الله. وممّا يُذكر في بداية عهده إنشاء مجلة 'الكلمة' الاجتماعية والدينية والثقافية، والتي كانت في بدايتها ملحقاً لمجلة 'صوت الأرض المقدّسة' التي كان يحرّرها المونسنيور الراحل رؤوف نجار، برفقة الراحل يوسف ابو دية، وبقيت كلتا المجلتين تصدران لغاية سنة 2002. وعُيَن عام 1987 أوّل بطريرك عربي هو البطريرك ميشيل صبّاح، خلفاً آنذاك للبطريرك يعقوب بلترتي، فابتدأت مرحلة جديدة في البطريركية اللاتينية تمثلت بمزيد من التنظيم في المكاتب الإدارية، فتم بناء دار المطرانية الجديدة (سنة 1990) في منطقة الصويفية وكذلك المحكمة الكنسية وإدارة المدارس والمالية غيرها.

وفي تسعينيات القرن الماضي، وجدت الكنيسة في الأردن نفسها أمام تحدٍ كبير وهو استيعاب الألوف المؤلفة من اللاجئين العراقيين، وكان هذا عنوان انفتاح للأردن ككل الذي فتح أبوابه لاستيعابهم، فيما فتحت الكنيسة كذلك ذراعيها لتقديم الخدمات الإنسانية بالتعاون مع جمعية الكاريتاس الخيرية، وأيضاً الروحية، وتم استحداث الكنيسة الكلدانية في الأردن، ولم تكن من قبل موجودة. وفي عام 1994 أبرمت المملكة الأردنية الهاشمية علاقات دبلوماسية مع الكرسي الرسولي – الفاتيكان، وفتحت السفارة البابوية أبوابها. وفي عام 1995 تم افتتاح السينودس (المجمع الكبير) للكنيسة الكاثوليكية في فلسطين والأردن.

وفي عام 1998 تم إنشاء مجلس رؤساء الكنائس في الأردن، ليكون الهيئة الممثلة للمسيحيين في الدوائر الرسمية. وفي عام 1999 ودّع العالم جلالة المغفور له الحسين بن طلال، واستقبل بكل فخر جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وكان من بشائر عهد جلالته إعلان العطلة الرسمية الوطنية في عيد الميلاد، والشروع بعقد لقاء سنوي مع رؤساء الكنائس في عيد الميلاد، وكان للمطران سليم حضوره البارز في تلك اللقاءات. وفي بداية عام 2000 (عام اليوبيل الكبير) شارك المطران مع جماهير غفيرة بأول صلاة حج في موقع المعمودية – المغطس وألقى فيها العظة الأولى، وكم جاهد وكتب ودافع من اجل الاعتراف بالمغطس في الجهة الشرقية لنهر الأردن، وبعدها ابتدأت التحضيرات لاستقبال البابا يوحنا بولس الثاني، وترأس لجان التحضير وكان أن زار البابا دار المطرانية وتناول طعام الغداء فيها، قبيل توجهه الى المغطس.

وفي بدايات القرن الحادي والعشرين، كان المطران سليم من أوائل المتجاوبين على عقد مؤتمر العرب المسيحيين في عمّان في 1232002، برعاية وحضور جلالة الملك عبدالله الثاني، بعنوان 'معا للدفاع عن الأمة'، وذلك لتبيان دور العرب المسيحيين في الدفاع عن صورة الإسلام الحقيقية، في وجه الاتهام له بالإرهاب. وابتدأ المطران يبصر تحقيق حلمه الكبير وهو إنشاء مركز سيدة السلام لذوي الحاجات الخاصّة، وقاوم من أجله كل العراقيل، الماديّة منها والمعنوية، وكان اتكاله كبيراً على العناية الربانية، فأبصر المركز النور ودشّنه الأمير رعد بن زيد، في نيسان 2004، مندوبا عن الملكة رانيا العبدالله.

وكتب المطران العديد من المقالات في الصحف اليومية، وألفَ العديد من الكتب الروحية، إلا أن كتابه حول 'الآثار المسيحية في الأردن' المنشور عام 1996، قد لاقى رواجاً كبيراً وبخاصّة لدى الإعلاميين وأهل الصحافة والدارسين عن تاريخ الأردن الحافل. وصدرت الطبعة الثانية للكتاب عام 2009، مع إضافة خمسة فصول جديدة حول موقع المعمودية – المغطس. وفي أيار من العام ذاته حلّ البابا بندكتس ضيفا على الأردن، ملكا وحكومة وشعبا وكنيسة، فاستقبل المطران، إلى جانب البطريرك فؤاد الطوال، قداسته الذي زار مركز سيدة السلام كأوّل محطة له بعد المطار، ومن الجميل التذكّر هنا أنّ المطران حمل العلم الأردني على كتفه في زيارة البابا إلى المركز وبقي يرفعه لكي يكون بارزاً أمام كاميرات الصحافة والإعلام. وبارك البابا حجر الأساس للجامعة الأميركية (وكان اسمها جامعة مادبا) والتي هي أيضاً من أحلام ومخططات المطران الصايغ، كذلك بارك البابا حجر الأساس للكنيسة الجديدة على ضفة نهر الأردن الشرقية. وقد شارك طبعا باستقبال البابا فرنسيس عام 2014 وحضر صلاته في المغطس. وفي عام 2012 بارك انشاء المركز الكاثوليكي للدراسات والاعلام.

وبعد، فالمطران سليم الصايغ التسعيني، يمضي كما هو معلوم سنوات تقاعده في مركز سيدة السلام - الحلم الذي تحقق. وفيما نتمنى له عيد ميلاد تسعينيا سعيدا، فلا نتردّد من القول، إنّه شخصية أردنية وطنية معتزة بالقيادة الهاشمية الحكيمة ومتمسّكة بالدستور، وكذلك هو شخصية عربية مسيحية متمسكة بالإيمان والانجيل... ومتشبثة كذلك بتراب الوطن ومياهه المقدّسين.

abouna.org@gmail.com