كتاب

من أوهام الإخوان المسلمين

من الواضح ان الكثيرين من أعضاء الحركة الاسلامية في الاردن، بمسمييها (جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي)، لم يطلعوا على تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في الاردن، وخاصة علاقتها بالقصر الملكي الهاشمي واجهزة الدولة الاردنية، لذلك سيطرت عليهم الاوهام، وصارت تحركهم، وهي اوهام جعلت اصحابها يضخمون دور الجماعةوحجمها في المجتمع الأردني، وفي التاريخ السياسي الأردني، إلى درجة يصلون فيها إلى تركيب معادلة أحد طرفيها الإخوان في مواجهة الدوله الطرف الثاني في هذه المعادلة المتوهمة. ويذهبون إلى تصوير الامر على أنه ميزان متعادل الكفتين هما الدولة والإخوان، ويزيدون بمبالغتهم حول دور ووزن الإخوان إلى درجة ربط استقرار الدولة والمجتمع الأردنيين بالإخوان، وكلها أوهام و مغالطات مخالفة للحقيقة.

أولى هذه المغالطات التي يقع فيها هؤلاء، هي أنه ما من تنظيم سياسي قادر على مغالبة دولة مستقرة، كالدولة الاردنية التي منحت جماعة الإخوان المسلمين فرصة الوجود على أرضها، وحرية الحركة على هذه الأرض، وما زالت رغم وجود قرار قضائي بحلها، ورغم الضغوط التي تمارس على الدولة الاردنية لحل الجماعة والتضييق على منتسبيها.

أكثر من ذلك، فإن الوثائق والوقائع تقول أنه منذ تأسيس الجماعة في الأردن على يد المرحوم عبد اللطيف ابو قورة وإخوانه من نشطاء العمل الخيري والاجتماعي، حظيت الجماعة برعاية خاصة من جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين ثم جلالة الملك الحسين رحمها الله، والأدلة على ذلك كثيرة، من بينها المراسلات بين الملك المؤسس ومرشد الجماعة الاول حسن البنا، الذي أوفد إلى الاردن زوج ابنته وأمين سر الجماعة عبد الحكيم عابدين ليشكر جلالته على رعاية الدولة الأردنية للجماعة، حيث فكر الملك بتعيينه وزيراً، بعد أن منحه رتبة البكوية،بعد ان تم افتتاح المركز العام للجماعة تحت الرعاية الملكية السامية، وكانت احتفالات الجماعة تبدأ بالسلام الملكي، ويرفع فيها العلم الاردني، مما يدل على مستوى الرعاية التي كانت الدولة توليها للجماعة الناشئة، وهي الرعاية التي جعلت عدداً من كبار رجال الدولة والقصر ينخرطون في عضوية الجماعة، حتى صار بعض الذين ينتسبون للجماعة مدراء لأجهزة امنية, وصار من لجانها الاساسية لجنه للتنسيق الأمني.

كان ذلك قبل ثورة ٢٣يوليو المصرية، وقبل وقوع الخلافات بين الأردن والحكم المصري الجديد،الذي جعل حاجة الاخوان المسلمين شديدة لحماية الدولة الاردنية ورعايتها، وكان من الطبيعي ان تحتاج جماعة الإخوان المسلمين أكثر لحماية الدولة الاردنية في صراعها مع جمال عبد الناصر وأنصاره في العالم العربي، باعتبار الدولة الاردنية ملاذا أمناً للإخوان المسلمين حتى من غير الاردنيين، وليس كما يقول بعض الإخوان المسلمين بانهم حماة الدولة، قلباً للحقائق، ذلك أن الحكم المصري ضيق الخناق على الإخوان المسلمين ليس في مصر وحدها بل في معظم الدول العربية التي حالفته، بينما فتح الأردن أبوابه للمطاردين من الإخوان المسلمين وأعطى بعضهم وخاصة من القياديين جوازات سفر ووظائف في أجهزة الدولة، بل صار منهم وزراء وسفراء، أي أن الدولة الأردنية هي التي حمت الإخوان المسلمين، ليس الأردنيين منهم فحسب, بل شكلت ملاذا آمنا للإخوان من غير الأردنيين كما اسلفت، بل توترت العلاقة بين الدولة الاردنية وبعض دول الجوار العربي الى مرحلة امكانية وقوع صدامات مسلحة بين الاردن وهذه الدول، بسبب لجوء الاخوان المسلمين من أبناء تلك الدول للاردن الذي رفض تسليمهم لدولهم، لذلك كان من الطبيعي أن يصبح الإخوان جزءاً من المواجهة بين الأردن والمد الناصري والبعثي دفاعا عن أنفسهم أولا وقبل كل شيء.

ولما اشتد الصراع السياسي داخل الأردن في خمسينات القرن الماضي بفعل المد الناصري والبعثي واليساري وحلت الحكومة الأردنية الأحزاب استثنت الإخوان من قرار الحل، ولحساباتها السياسية على مستوى المنطقة وفي الأرشيف الكثير مما يؤكد هذه الحقيقة, وقد حفظ الإخوان المسلمون الأوائل هذا الفضل للدولة الأردنية، والتزموا قوانينها،ولم يكونوا مصدر قلق لها، مما يدلل على أن العلاقة ليست طرفي معادلة كما يحاول البعض أن يصوره بل أن الدولة الأردنية هي التي بسطت حمايتها وفضلها على الإخوان ورعتهم.

Bilal.tall@yahoo.com