كتاب

في ضوء تقرير التنمية البشرية.. أين تقف المرأة الأردنية بين التعليم والتأثير؟

تُشكّل المرأة الأردنية ركيزة أساسية في بناء الدولة وتعزيز منظومات التعليم والصحة، إلا أن حضورها في الحقلين الاقتصادي والسياسي لا يزال متواضعًا مقارنة بالطموحات الوطنية، رغم ما حققته من إنجازات معرفية واجتماعية ملموسة.

في قراءة دقيقة لموقع الأردن ضمن مؤشرات التنمية، يورد تقرير التنمية البشرية 2023/2024 الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والذي حمل عنوان «الخروج من المأزق: إعادة تصور التعاون في عالم منقسم', بيانات تثير الانتباه حول فجوة مستمرة بين الرجل والمرأة.

فبحسب التقرير، جاء ترتيب الأردن في المرتبة 111 من أصل 166 دولة من حيث التوازن في الفرص المتاحة بين الرجل والمرأة، بقيمة بلغت 0.449. هذا الرقم لا يعكس ترتيبًا دوليًا فحسب، بل يفتح نقاشًا جوهريًا حول نجاعة السياسات الوطنية في تمكين المرأة من النفاذ إلى الفرص الاقتصادية ومواقع التأثير.

ورغم التفوق النسبي في مؤشرات التعليم والرعاية الصحية، إلا أن مشاركة المرأة في سوق العمل لا تتجاوز 14.9%، مقارنة بـ 61.0% للرجال، في حين لا يتعدى تمثيلها البرلماني 15.4%. وتُظهر البيانات فجوة في الأجور لصالح الرجل بنسبة 16% في القطاعين العام والخاص مع فروقات مالية تتجاوز 70 دينارًا شهريًا. كما سجل مؤشر الأعراف الاجتماعية 98.46%، ما يؤكد تأثير العوامل الثقافية على فرص التمكين بغض النظر عن الإنجاز الأكاديمي أو الصحي.

ويطرح هذا الواقع تساؤلات ملحة حول قدرة السياسات العامة على تحويل الاستثمار في التعليم والصحة إلى مكتسبات تنموية متوازنة، تتيح للمرأة أداء دورها الكامل كشريك اقتصادي وفاعل في صناعة القرار. فالمشكلة لم تعد في الكفاءة أو الحافزية، بل في آليات الانتقال من التأهيل إلى التمكين، ومن الإنجاز الفردي إلى التأثير المجتمعي.

واللافت أن غياب التوازن في الفرص بين الرجل والمرأة لا يُقاس فقط بمعايير الحقوق، بل يُقاس بميزان الجدوى الوطنية. فحين تُهدر طاقات نصف المجتمع، تُفوّت الدولة فرصًا حيوية للنمو والاستقرار، وتخسر مزايا تنافسية كان يمكن استثمارها في تعزيز الإنتاجية والتماسك الاجتماعي. وهذا التفاوت، في جوهره، ليس شأنًا فرديًا، بل تحدٍ تنموي يعكس ثغرات في تصميم السياسات واستثمار رأس المال البشري.

ومن هنا، لا يكمن التحدي في غياب الرغبة أو ضعف الإمكانات، بل في الحاجة إلى أدوات تمكين ترتبط مباشرة بسياسات التشغيل، تنظر إلى المرأة لا بوصفها فئة مستهدفة، بل كعنصر حيوي في معادلة التنمية الوطنية، التي لا تكتمل دونها.

على مستوى أوسع، فإن اختلال التوازن في مشاركة المرأة يترك أثرًا مباشرًا على مؤشرات الثقة المجتمعية، والقدرة على تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي. فالمجتمعات التي تعزز من تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة تحقق مستويات أعلى من التماسك الداخلي ما ينعكس إيجابًا على كفاءة السياسات وحُسن توظيف الموارد.

وقد أكدت الخطابات الملكية المتعاقبة على أهمية إشراك المرأة في مختلف الميادين باعتباره أحد الشروط الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة والطموحات الوطنية. فالرؤية الملكية لطالما شددت على أن تمكين المرأة ليس ترفًا تنمويًا بل هو خيار استراتيجي لاستدامة الاستقرار والتقدم.

وفي ضوء ذلك، يصبح من الضروري التفكير بعمق في كيفية تحويل ما تمتلكه المرأة الأردنية من تعليم وصحة إلى أدوات تأثير ملموسة تُعيد بناء موقعها في الاقتصاد وتفتح أمامها مسارات التأثير وتسهم في رفد الدولة بالاستقرار والتجدد.

ملاحظة:

يندرج هذا المقال ضمن سلسلة مقالات تحليلية حصرية لجريدة الرأي، تتناول موقع الأردن في تقرير التنمية البشرية 2023/2024، وترافقها تقارير مؤسسية صادرة عن مؤسسة أدوات الاحتراف للتدريب وبناء القدرات.