(المضمون: في قرار الحكم حول الالتماس الذي أمر الدولة بادخال الغذاء الى قطاع غزة، رفضت المحكمة العليا ادعاء أن اسرائيل ملزمة بتوفير المساعدات الانسانية انطلاقا من قوانين الاحتلال - المصدر).
في يوم الاربعاء الماضي اعلن برنامج الغذاء العالمي التابع للامم المتحدة بأن جميع المخابر الـ 25 التي ساعدت في تشغيلها في قطاع غزة مغلقة الآن بسبب نقص الطحين والوقود، وأنه في الايام القريبة القادمة سيتم توزيع رزم الطعام الاخيرة التي توجد لدى البرنامج. بعد شهر على القرار بعيد المدى للمستوى السياسي، منع ادخال المساعدات الانسانية الى قطاع غزة كليا عبر اراضي اسرائيل، فان المنظمات الدولية تحذر من انخفاض دراماتيكي في مخزون الغذاء والمعدات الطبية في القطاع وتظهر الخوف الكبير من تجدد الجوع هناك.
على خلفية ذلك يتم طرح اسئلة صعبة من قرار المحكمة حول ذلك في الاسبوع الماضي. قبل سنة قدمت خمس منظمات مجتمع مدني التماس، «غيشه»، «موكيد»، «اطباء من اجل حقوق الانسان»، «جمعية حقوق المواطن» و«عدالة»، طلبت فيه أمر الدولة بضمان ادخال المساعدات والاحتياجات الضرورية الى قطاع غزة. بعد مرور سنة وخمس جلسات في المحكمة العليا تم رفض الالتماس، وقالت المحكمة إن اسرائيل تلبي التزاماتها المترتبة عليها حسب القانون الاسرائيلي والقانون الدولي. في قرار حكم المحكمة تمت الاشارة بشكل صريح الى أنها لن تتطرق الى قرار وقف ادخال المساعدات الى القطاع عبر اسرائيل وعدم تزويد القطاع بالكهرباء، لأن الاجراء الحالي لا يلبي متطلبات هذه القرارات، التي تجسد تغير كبير في الظروف. لأن قرار حكم يستند، ضمن امور اخرى، الى اعلان الدولة بأنه لا توجد قيود على حجم المساعدات التي يتم ادخالها الى قطاع غزة، فان هذا القرار يكفي من اجل تحويله الى قرار فارغ.
المحكمة فحصت الظروف القانونية لتطبيق قوانين الاحتلال ووافقت على موقف الدولة الذي يقول بأن قطاع غزة ليس منطقة محتلة، خلافا لقرار محكمة العدل الدولية الصارد في تموز 2024 الذي يقول بأنه في قطاع غزة تسري قوانين الاحتلال من قبل، ولا سيما بعد 7 اكتوبر والحرب، لذلك فانه على اسرائيل تسري التزامات واسعة تجاه السكان المدنيين. المحكمة العليا رفضت ادعاء بأنه يسري على اسرائيل واجب ينبثق من قوانين الاحتلال التي تقضي بتوفير المساعدات الانسانية، لكنه يعتقد أن الدولة ملزمة بـ «السماح وتسهيل انتقال المساعدات الانسانية انطلاقا من قوانين الحرب». قول إنه لا توجد لاسرائيل التزامات كقوة محتلة في غزة يدل على مقاربة اشكالية تريد فيها اسرائيل تدمير سلطة حماس ولكنها لا تسمح بأي بديل سلطوي ولا تتحمل المسؤولية كقوة محتلة. المحكمة العليا رفضت ايضا اعطاء أي وزن للالتزامات النابعة من قوانين حقوق الانسان التي تتناول الحق في الغذاء، وهكذا فرضت على اسرائيل التزامات ضئيلة، مع الاخذ في الحسبان القوة الكبيرة التي تستخدمها في غزة.
الدولة قالت إنها تبذل الجهود لتحسين البنى التحتية للمساعدات وتنسيق توزيعها، وحملت حماس المسؤولية عن ازمة سكان القطاع بسبب سرقة المساعدات. الملتمسون اشاروا الى التأخير والقيود والصعوبة التي تفرضها اسرائيل على ادخال المساعدات الحيوية، التي مع هجمات الجيش الاسرائيلي على البنى التحتية المدنية والتدمير الواسع أدت الى انهيار منظومة الغذاء والصحة في القطاع وأدت الى كارثة انسانية.
المحكمة العليا مكنت الدولة من عرض بيانات كثيرة بحضور جانب واحد ووافقت على موقفها. وحتى أنه تظهر صعوبة كبيرة في أن الحكم يكتفي بفحص النشاطات المختلفة لاسرائيل بدون أن تتضمن التطرق وضع السكان في القطاع. يبدو أن مؤشر «آي.بي.سي» الذي يستخدم لتقدير الامن الغذائي في ارجاء العالم والذي تشارك فيه الامم المتحدة والمنظمات الانسانية الدولية، حذر عدة مرات منذ اندلاع الحرب بأن جزء كبير من سكان القطاع هم على شفا الجوع، الدرجة الاكثر خطورة من نقص الامن الغذائي.
خلال مناقشة الالتماس وفي منشورات علنية ادعت اسرائيل بأن بيانات التقرير هي جزئية أو خاطئة ولكنها لم تعرض أي بيان بديل واضح. في قرار الحكم امتنعت المحكمة ايضا عن التعبير عن موقفها من هذه القضية باستثناء اشارة سخيفة تقول «يبدو أن وقف النار في كانون الثاني وحتى آذار 2025 خلق وضع واقعي يختلف عن الذي اعتمد عليه تنبؤ المنظمة». هذا عندما نشر قرار الحكم بعد انتهاء وقف اطلاق النار وادخال المساعدات عبر اسرائيل توقف كليا. في لحظة فيها مطلوب مراجعة قضائية للمحكمة، بالذات عندها، قررت أنه يجب تناول هذا الموضوع في اطار اجراء مستقبلي. من اجل تقدير قانونية نشاطات اسرائيل، خاصة قرار تأثيره خطير مثل الوقف الكلي لادخال المساعدات، يجب فحص اضرارها المحتملة. ولا يمكن فعل ذلك بدون التطرق الى وضع الاطفال وكبار السن والنساء والرجال في غزة، الامر الذي امتنعت عنه المحكمة العليا.
المفقودون الذين تم تحريرهم مؤخرا وصفوا الجوع شديد جدا. الجوع لا يتسبب فقط بمعاناة الجسد، بل هو عبء نفسي ثقيل ومس كبير بالعلاقات الاجتماعية في العائلات والتجمعات. في الايام التي ترفض فيها المحكمة العليا، ومثلها معظم وسائل الاعلام الاسرائيلية، الانشغال برعب الجوع الذي يتفشى في اوساط سكان غزة، بالتحديد الآن يجب علينا توجيه الانظار مباشرة الى الواقع الصعب في القطاع.
(هآرتس)