الرأي الثقافي

الغرب بوصفه التوحش والهمجية

قراءة في فكر إبراهيم العجلوني

تبيّن لي وأنا أقرأ النتاج الفكري للمرحوم إبراهيم العجلوني أن كل مقالة او مطبوعة أصدرها تُفتق في ذهن القارئ الكثير من المسائل التي تستوجب منا التوقف عندها طويلاً والبحث في ثناياها عن رؤى هذا المفكر وما اشغل ذهنه طوال عقود، وفتح في جدار الضياع الثقافي العربي نوافذ للتفكير والتأمل.

ومن هذه المسائل التي ولج العجلوني ساحتها علاقة الغرب بالشعوب الأخرى، واتضح لنا فيما قرأنا له الكيفية التي يرى فيها الغرب وما احتشد في تاريخه من حقد دفين وتوحش مهين وما هي طبيعة موازينه التي أقامها ليزن هذه الشعوب بها، وفي الأغلب الأعم يُنقص من قيمة هذه الشعوب ويُبخّس من دورهم في الحياة.

ولم يترك العجلوني هذه المسألة في قيد التوصيف وحسب، وإنما كثّف الأسئلة التي تحث على البحث والوصول إلى سقف ليرانا الغرب على حقيقتنا الحضارية العظيمة.

وكان للعجلوني ما يقوله في مفهوم «الآخر»، فيبين أن الثقافة العربية والإسلامية لم تعرفا مفهوم الآخر ولم تألفاه على النحو الذي راج في الثقافة الغربية القائمة على أسس رومانية صهيونية، وأن أبسط تحليل لهذا المفهوم سنجده يرتد بنا إلى معنى التمحور حول الذات سواء كانت مذهبية دينية أم عرقية.

والغرب الذي يجمع أمريكا وأوروبا وفق ما يكشف عنه العجلوني في مقالاته وكتبه يسعى لبسط سيطرته على السوق والناس والثروات، وإذا ما بدا للبعض أن الغرب يدعو للإصلاح والتغيير والتنمية فإنما ذلك كله موجهاً لخدمة مصالحه وأطماعه، ومن هنا كان الاستعمار ونزعة السيطرة على العالم كما فعل الرومان وكمثل حملات الصليبيين إلى بلادنا.

هذا الغرب المتوحش يكيل بمكيالين؛ لنا منه ظاهره الذي يثير في النفس الشك، أما باطنه ففيه إغراق في أصوله ومرجعياته التي تخرجنا من حساباته الحضارية.

ويبين العجلوني أن الأساس الشعوري لهمجية الغرب تقوم على عدم احترام شخصية الشعوب الأخرى وتزعم بأنها غير ناضجة، ومن هنا انبثق عنده المفهوم العنصري (الآخر، والآخرية) التي يرانا من خلالها.

ويؤشر العجلوني إلى ما تكون عليه الهمجية التي تقودها شخصيات ضعيفة مرتعبة، فتغطي على ضعفها بتجييش الجيوش وشن الحروب على شعوب العالم، ومن يتبيّن لنا بأن القانون الذي يحكم همجية الغرب في هذا السلوك المتوحش هو غياب الأخلاق والسعي المحموم لامتلاك القوة والتفرد بها كما نرى في زمننا هذا.

ومما تفيض به كتابات العجلوني من إضاءات باصرة في هذه المسألة، أن الغرب لا يرانا نحن العرب والمسلمين وشعوب العالم بذي قيمة ولا يقبلنا مؤهلين للحياة، ويظهر ذلك في ممارسات مختلفة سواء كانت استعبادية أو اقتصادية أو ثقافية، كما أننا لسنا في تفكيره إلّا مجرد تابعين له، وإن ما نجده اليوم أو ما نقله لنا التاريخ في كل عصر هو إصراره على سلب خصوصية الشعوب وهوياتها الوطنية، وهذا ما فجّر أوار الحروب في الشرق والغرب لمواجهة هذه الهمجية التي يجمح بها الغرب لتحقيق أهدافه الاستعمارية العدوانية والتي لا يقبلها عقل ولا يرضاها خلق.

ويعيدنا المفكر العجلوني إلى البؤر المظلمة في تاريخ الغرب وبخاصة حديثهم عن الديمقراطية التي لا نراها تتجلى أمامنا إلّا في صورتها الغربية حسب، وهي في يقيني مخصوصة بالغرب فقط ابتداء من ديمقراطية (سبارطة) حتى زمننا هذا.

يرى العجلوني أننا نحن العرب والمسلمون محكومون لما خطّه لنا القرآن الكريم والسنة النبوية من أخلاق وسلوك حضاري إنساني، وإذا ما تدبرنا القرآن الكريم فإننا نجد فيه النداء الخالد للوحدة الإنسانية باعتبار أن الإسلام هو دين الناس كافة، وهذه الوحدة ناتجة من يقيننا المطلق بوحدانية الخالق، وهذا يتضمن الدعوة للحرية وعدم الظلم وتوجيه العباد لعبادة الله وحده فهو الرب العادل.

ومما ينبغي علينا الوقوف عليه أن السلوك الأمريكي والأوروبي الذي ارتسم في أذهاننا بالهمجية الغربية هو ذاته السلوك الذي وُلد منه الكيان الصهيوني في بلادنا كي يخدم المصالح الغربية، ووظّفوا لذلك كل مدارسهم واتجاهاتهم الفكرية كي يقوم من ماركسية وهيجيلية وسواهما من هذه المدارس والاتجاهات التي يتوهم البعض أنها بذات فائدة للشعوب الأخرى.

ويصل العجلوني في هذا المفصل من كتاباته إلى نتيجة واحدة اتفق فيها معه، وأراها تلوح لي في مجمل كتاباته هو أن الغرب لا يريدنا إلّا تبعاً له ونكون على المنوال الذي رسمه لنا باعتبارنا كائنات لا قيمة لها ولا تاريخ يُؤبه له ولا هوية مستقلة تُوجب الاعتزاز بها.

هكذا يبدو لنا في قوانينهم وما يبدر من ممارساتهم الكلية مع شعوب الأرض.