(المضمون: بفضل الدعاية المسمومة استطعنا أخيرا التقدم من اليهودية القديمة التي تطالب باحترام كبار السن الى اليهودية الحديثة التي تتمثل بضرب كبار السن والاستهزاء منهم - المصدر).
أحد الأمور المثيرة جدا للاهتمام في المظاهرات، سواء كانت ضد الاحتلال أو ضد الانقلاب النظامي، هو رؤية كبار سن وهم يمشون بتصميم بين المتظاهرون، يقفون باجسادهم الضعيفة امام عصي رجال الشرطة، منتصبو القامة ويرفضون الانحناء، ويذكروننا جميعا بأنه اذا كانوا هم على استعداد للنضال فانه لا يوجد للشباب أي ذريعة للبقاء في البيت. قدومهم هو الدليل على قوة الروح الإنسانية وقدرتها على التغلب على المصائب واختيار الأمل مرة تلو الأخرى بدلا من الاستسلام.
اذا كان الامر هكذا فانه من غير المفاجيء أنه بالتحديد هؤلاء الأشخاص الذين يبعثون على الالهام تحولوا في الأسابيع الأخيرة الى هدف للهجمات المسمومة من قبل اليمين البيبي، المشبعة بالسخرية والتي تثير الاشمئزاز من السن. هذه الظاهرة قادها كالعادة يانون مغيل، وهو شخص من طبقة غرفة المراحيض الكيميائية في مهرجان «بومبا ميلا»، الذي وصف قبل أسبوعين في برنامجه في الراديو من يعارضون نتنياهو بأنهم «يسار مختل عقليا» و"طبقة من كبار السن المجانين... الذين لا يعرفون ما الذي يحدث». تطور مثير في موقفه من الاحتجاج: من كراهية النساء (متظاهرات قبيحات) الى سحق كبار السن (يساريون خرفون).
لقد انضم بسرعة الى احتفال التمييز على أساس السن افضل زعران اليمين في الانترنت. حاني فايزر، مديرة قسم التواصل الاجتماعي لدى عميت سيغل، وامرأة خبيرة في ارسال الرسائل المسمومة، التي كتبت في الأسبوع الماضي عن الاحتجاج الكبير امام منزل رئيس الوزراء: «يتجول حوله عدد من كبار السن اليساريين الضائعين. مطلوب من كل شخص فقد جده المجيء لأخذه من شارع غزة». شاي غولدشتاين اطلق نفس النكتة عن عجوز عندما ارفق فيلم لمتظاهرين في الطريق الى القدس بتعليق «حكومة إسرائيل مذنبة بلا شك، لأنه لو أنها اهتمت بنشاطات مناسبة في نوادي المتقاعدين لكانت تجنبت كل ذلك».
عكيفا نوفيك في مقاله الفصلي المتباكي في موضوع «لماذا لم انضم الى الاحتجاج»، لاحظ الهجوم المنظم على كبار السن، لكنه كالعادة فهمه بصورة مخالفة للواقع. «ليس بالصدفة أن يطارد نشطاء الليكود كبار السن الاشكناز بصورهم»، كتب نوفيك أول أمس في «هآرتس» وأضاف. «هذا حقا هو نفس الاحتجاج منذ سنوات». عمليا، كبار السن تتم مطاردتهم لأنهم هدف سهل للاهانة والتحريض: الدمج بين الصورة الشعبوية لـ «نخبة الأفول» والضعف الجسدي، الذي ينتج المتعة السادية. وليس بالصدفة أن أصبح الأشخاص أصحاب الشعر الرمادي اهداف لعنف الشرطة في الفترة الأخيرة. «لقد اخذوا العجوز الذي كان بجانبنا وضربوه بمتعة وابتسام وعنف هستيري»، هكذا شهد طبيب على عنف رجال الشرطة في شارع غزة في الأسبوع الماضي.
تقدير القوة واحتقار الضعفاء هي من السمات التي تميز الحركات الفاشية. والاستهزاء من المتظاهرين كبار السن تمثل تدهور المجتمع الإسرائيلي الى هاوية أخلاقية، حيث ينظر الى الضعفاء وكأنهم عبء، والرحمة لهم بأنها حجر عثرة، أيضا اهمال المفقودين والقسوة تجاه عائلاتهم تتغذى من نفس البئر المسموم: أي شخص يمس بصورة القوة الوطنية يتم محوه وسحقه واحتقاره. إن البيبية والبن غفيرية التي سيطرت على الخطاب العام تمجد السلطة والعنف، وتسخر من القيم الإنسانية مثل التضامن والمسؤولية المتبادلة، وتستخدم الكراهية كسلاح سياسي.
إن وصف المتظاهرين كبار السن بأنهم «اشخاص مجانين ضائعين»، وأنه يتم جرهم الى المظاهرات بدون أن يعرفوا ما الذي يحدث حولهم، يهدف الى تقزيم الاحتجاج ضد نتنياهو، لكن التمييز المسموم على أساس الجيل يكشف من فقد التواصل مع الواقع حقا: جحافل المعجبين برئيس الحكومة، الذين هم مستعدون لدوس كل قيمة والتخبط في كل المجاري من اجل اظهار الولاء للزعيم الأعلى. بفضلهم استطعنا أخيرا التقدم من اليهودية القديمة التي تتلخص بـ «احترم العجوز» الى اليهودية الحديثة التي تتمثل بـ «اضرب العجوز على وجهه وبعد ذلك السخرية منه بسبب صورة له في تويتر وهو ينزف على الأرض».
(هآرتس)