بتوصيف دقيق يقدم رئيس الوزراء رؤية الحكومة لتفعيل مفهموم المسؤولية الاجتماعية بقوله 'مأسسة الجهود وموائمتها مع الاحتياجات التنموية' اذن فالعملية مشروطه بأن تحمل البعد المؤسسي المدروس والذي لا يقوم على ردة الفعل الآنية كما انه مشروط بخدمة الأوليات التنموية والحاجات الأساسية اللزمة لتحقيق تنمية مستدامة!
وتكريسا لمفهوم الشراكة
الحقيقية بين الحكومة والقطاع الخاص، أتى إعلان جمعية البنوك عن تخصيص 90 مليون دينار على مدار ثلاث سنوات لدعم قطاعي الصحة والتعليم في مختلف المحافظات، بما ينسجم مع خطط الحكومة وبرامجها.
هذه المبادرة تأتي استجابة لاقتراحات حكومية تفكر'بإطلاق إمكانيات' الاقتصاد المحلي وتحفيز مكوناته من القطاعات المختلفة، ليقارب الانتاج الفعلي الانتاج الممكن للاقتصاد الاردني وبهدف تعزيز التنمية وتحفيز النمو الاقتصادي المستدام، من خلال التمويل القائم على تحقيق الأثر الاجتماعي والبيئي، بما يحقق التوازن بين الربحية والمسؤولية!
يُقرأ كل ذلك باتجاهين رئيسيين: الاتجاه الأول، حرص القطاع المصرفي على المساهمة في البعد التنموي محلياً. وتُظهر هذه الخطوة التزام البنوك بمسؤوليتها الاجتماعية، حيث يُتوقع أن يسهم الاستثمار في قطاعي الصحة والتعليم في تحسين جودة الخدمات المقدمة، مما يعزز رأس المال البشري ويحفز التنمية الاقتصادية.
الاتجاه الثاني، عقلية حكومية تتسم بالمبادرة والسعي نحو شراكة حقيقة مع القطاع الخاص وكم كان من المهم أن تتبنى هذه الرؤية حكومات سابقة! فهذا التعاون ليس بالمستحيل أوغيرقابل للتطبيق طالما توفرت القناعة المشتركة بأهمية تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص لتحقيق التنمية المستدامة.
اقتصادياً ينظر للمسؤولية الاجتماعية للقطاع الخاص بأنه أداة تحفيز للاقتصاد! فعندما يستثمر القطاع الخاص في مشروعات المسؤولية الاجتماعية، مثل دعم التعليم والرعاية الصحية، فإنه يساهم بشكل مباشر في تعزيز التنمية الاقتصادية. هذه 'الاستثمارات' تؤدي إلى تحسين جودة الخدمات المقدمة، مما يرفع من مستوى المعيشة ويزيد من إنتاجية الأفراد. على سبيل المثال، تحسين الرعاية الصحية والتعليم يؤدي إلى قوة عاملة أكثر صحة وتعليمًا، مما يعزز الكفاءة والإنتاجية في سوق العمل.
بالإضافة إلى ذلك، التزام القطاع الخاص بالمسؤولية الاجتماعية يجعله أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يهتمون بالاستدامة والمسؤولية الاجتماعية. هذا الاهتمام المتزايد بالاستثمارات المستدامة يؤدي إلى زيادة تدفقات رؤوس الأموال نحو هذه الشركات، مما يمكنها من تمويل مشروعات جديدة وتوسيع عملياتها، وبالتالي تحفيز النشاط الاقتصادي بشكل عام. كما أن تبني ممارسات المسؤولية الاجتماعية يعزز من سمعة القطاع الخاص ويزيد من ثقة المستهلكين بها. عندما يرى المستهلكون أن الشركات تساهم في تحسين المجتمع والبيئة، يكونون أكثر استعدادًا لدعم منتجاتها وخدماتها، مما يؤدي إلى زيادة المبيعات والأرباح.
بالعودة الى حديث الرئيس، فما يلزم اليوم هو مأسسة مفهوم المسؤولية الاجتماعية (ماذا لو كانت نسبة مقطوعة من ارباح البنوك تذهب لهذا البند؟) عن طريق اتباع الممارسات الفضلى بهذا الخصوص، من تأطير مؤسسي، تنفيذ، رقابة على التنفيذ وتوجيه الدعم باتجاهات القطاعات الحيوية (ماذا لو كان دعم المشاريع الناشئة، الصغيرة والمتوسطة حتى على خارطة المسؤولية الاجتماعية؟) فما نحتاجه اليوم هو تأطير مؤسسي للمسؤولية الاجتماعية، بحيث تصبح جزءًا ثابتًا من التزامات الشركات، خاصة البنوك. ويمكن تحقيق ذلك من خلال تبني أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال، بما يشمل وضع إطار تنظيمي واضح، تنفيذ فعّال، ورقابة صارمة على آليات التنفيذ لضمان توجيه الدعم نحو القطاعات الحيوية.
لا شك بأنه عندما يساهم القطاع الخاص في برامج المسؤولية الاجتماعية، فإنه يخفف من الضغوط المالية على الحكومات، مما يسمح للأخيرة بإعادة توجيه مواردها إلى مجالات أخرى مثل تحسين الخدمات العامة، مما يعزز النمو الاقتصادي بشكل عام. كما أن تبني سياسات مسؤولة يساعد في دعم المجتمعات المحلية، وتحسين ظروف العمل، مما يساهم في تحقيق التنمية المستدامة.
مبادرة البنوك الأردنية لتخصيص 90 مليون دينار لدعم قطاعي الصحة والتعليم تظهر بأن مفهوم الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ليس ضرباً من الخيال وإنما هي فرص ممكنة! فهذا التعاون يعزز من قوة الاقتصاد الاردني واستقراره، ويؤكد على الدور المحوري للمسؤولية الاجتماعية في تحفيز النمو الاقتصادي وتحقيق رفاهية المجتمع. حكومة تبادر للتعاون وتسعى إليه وقطاع خاص يمد يده بإيجابية وبمسؤولية، ألم يكن ذلك قابلاً للتطبيق سابقاً؟
رئيس قسم الاقتصاد – الجامعة الاردنية