أصبح تأخير بدء العمل والدراسة خلال الأشهر الأكثر برودة استجابة شائعة لظروف الشتاء القاسية. إذ تهدف هذه السياسة إلى تلبية حاجة الناس إلى الدفء الإضافي خلال ساعات الصباح من خلال تأخير بداية اليوم إلى وقت لاحق أكثر دفئًا. ومع ذلك، فإن هذا النهج، حيث يتم تأخير وقت البدء بشكل موحد في جميع القطاعات، غالبًا ما يؤدي إلى عواقب سلبية غير مقصودة، وخاصة فيما يتعلق بالازدحام المروري.
يتضمن الحل الأفضل تحديد مواعيد متدرجة للمدارس والجامعات والخدمات العامة، مما يخفف من الضغط المروري ويوفر العديد من الفوائد الأخرى، مثل الحد من التلوث وخفض التوتر لدى السائقين وإهدار الوقت على الطرق.
في أحدث موجة برد، بدأ يوم العمل في الأردن عند الساعة 10 صباحًا للسماح بوقت أطول بعد شروق الشمس وارتفاع درجات الحرارة. في حين أن هذا منطقي من وجهة نظر الصحة والسلامة، فإن ممارسة تأخير بدء جميع القطاعات في نفس الوقت، مثل المدارس والجامعات والدوائر الحكومية، تخلق حالة من الازودحام الشديد حيث يتنقل عدد كبير من الناس في وقت واحد.
والنتيجة متوقعة: الاختناقات المرورية. فالطرق التي تكون بالفعل مثقلة خلال ساعة الذروة في الأيام العادية تصبح أكثر ازدحامًا. وغالبًا ما تكون وسائل النقل العام غير كافية لتلبية الطلب المتزايد، فتغمر المركبات الشوارع، مما يؤدي إلى اختناقات مرورية شديدة. هذه المشكلة واضحة بشكل خاص في عمان، حيث تكافح البنية التحتية لمواكبة احتياجات السكان المتزايدين.
ويعني النهج الحالي أنه بين الساعة 9 و 10 صباحًا، تشهد المدينة زيادة في حركة المرور حيث تنطلق الحافلات المدرسية والموظفون الحكوميون وطلاب الجامعات وموظفو القطاع الخاص في الوقت نفسه. هذا لا يؤدي فقط إلى قضاء ساعات طويلة عالقين في حركة المرور ولكنه يسبب أيضًا تأثيرًا متتاليًا من التأخير طوال اليوم، مما يزيد من التوتر لكل المعنيين.
ربما تكون الاستراتيجية الأكثر فعالية هي إدخال أوقات بدء متدرجة لقطاعات مختلفة. من خلال جعل المدارس والجامعات والخدمات الحكومية وشركات القطاع الخاص تبدأ في أوقات مختلفة، وبذلك يمكن للأردن أن يقلل بشكل كبير من الازدحام المروري. فعلى طريق المطار، يمكن للعديد من الجامعات والمؤسسات التعليمية هناك تنظيم برنامج متدرج فيما بينها، بحيث يمكن فصل 15 دقيقة بين جداولها الزمنية اليومية.
فعلى سبيل المثال، يمكن أن تبدأ المدارس في الساعة 10:30 صباحًا، في حين قد تبدأ الجامعات والخدمات العامة في الساعة 9:30 أو 10:00 صباحًا. ويمكن للقطاع الخاص اعتماد ساعات عمل مرنة، مما يسمح للموظفين ببدء العمل في أي وقت بين الساعة 9:00 صباحًا و11:00 صباحًا. فمن شأن هذا النهج المتدرج أن يوزع عدد الأشخاص على الطرق في أي وقت معين، مما يقلل من الضغط على البنية التحتية والضغط على حالة الركاب النفسية.
لقد طبقت العديد من البلدان ساعات عمل أو مدارس متدرجة بفعالية كبيرة. ومن الأمثلة البارزة اليابان، حيث قدمت الحكومة والقطاع الخاص جداول عمل مرنة خلال أشهر الصيف لتقليل استهلاك الكهرباء في أوقات الذروة وتقليل العبء على وسائل النقل العام. إذ يمكن للعمال أن يبدأوا في الصباح الباكر ويغادروا في وقت مبكر بعد الظهر، مما يخفف من الازدحام ويسمح بتنقل أكثر سلاسة للجميع.
في فرنسا، اعتاد نظام التعليم منذ فترة طويلة على تأخير بدء الفصول الابتدائية والثانوية والجامعية لإدارة حركة المرور. تبدأ المدارس في وقت مبكر من الصباح، بينما تبدأ الجامعات والعاملون في المكاتب في وقت متأخر. وقد سمح هذا بتدفق أكثر توازناً لحركة المرور وتقليل الاختناقات المرورية خلال ساعة الذروة.
وفي البلد الأقرب إلى الوطن، جربت تركيا أوقات بدء متدرجة في المدن الكبرى مثل إسطنبول، حيث يشكل الازدحام المروري مشكلة مزمنة. فمن خلال تعديل أوقات بدء المدارس والجامعات والشركات، تمكنت تركيا من تقليل حركة المرور خلال ساعات الذروة وتحسين التنقل الحضري بشكل عام.
هناك العديد من المزايا الرئيسية لتطبيق التوقيتات المتدرجة في الأردن:
تقليل الازدحام المروري: من خلال توزيع تدفق حركة المرور طوال الصباح، ستكون الطرق أقل ازدحامًا، مما يقلل من احتمالية حدوث اختناقات مرورية. وهذا من شأنه أن يقلل بشكل كبير من مقدار الوقت الذي يقضيه الناس في التنقل، مما يوفر الوقت لأنشطة أكثر إنتاجية.
انخفاض التلوث: مع وجود عدد أقل من السيارات على الطريق في أي وقت معين، فإن الانبعاثات من المركبات ستنخفض. إذ يؤدي الازدحام المروري إلى توقف السيارات عن العمل لفترات أطول، مما يزيد بشكل كبير من تلوث الهواء. فمن شأن تدفق حركة المرور الأكثر توازناً أن يساعد في تقليل التأثير البيئي للتنقل على الهواء في مدن الأردن.
إجهاد أقل: يعد التنقل أحد أكثر أجزاء اليوم إجهاداً بالنسبة للعديد من الناس، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالانتظار في حركة المرور لفترات طويلة. فمن شأن التوقيتات المتقطعة أن تقلل من هذا الإجهاد، مما يجعل التنقل اليومي تجربة أكثر قابلية للإدارة مع قلة المشاجرات بين سائقي المركبات.
زيادة الإنتاجية: عندما يصل الناس إلى العمل أو المدرسة أو الجامعة أقل توتراً وأكثر استرخاءً، فمن المرجح أن يكونوا أكثر إنتاجية ويصبح تعاملهم مع بعضهم البعض أكثر حضارية. إن قضاء وقت أقل في حركة المرور يعني قضاء المزيد من الوقت في المهام التي تساهم في الإنتاجية الإجمالية، سواء في القطاعين العام أو الخاص.
ففي حين أن تأخير بدء العمل ودوام المؤسسات التعليمية خلال أشهر الشتاء في الأردن أمر منطقي من منظور صحي، فإن النهج الحالي المتمثل في بدء دوام كل الناس في الوقت نفسه يؤدي إلى تفاقم الازدحام المروري وزيادة ضغوط الحياة اليومية. إذ يتضمن الحل الأكثر كفاءة تحديد أوقات متدرجة للقطاعات المختلفة، وتوزيع تدفق حركة المرور والحد من الآثار السلبية المرتبطة بها.
فمن خلال النظر إلى أمثلة من دول مثل اليابان وفرنسا وتركيا، يمكن للأردن تطوير نظام لا يعالج مخاوف الطقس البارد فحسب، بل يحسن أيضًا التنقل الحضري، ويقلل التلوث، ويجعل التنقل اليومي أقل إجهادًا لجميع المعنيين. إذ سوف يؤدي هذا النهج في نهاية المطاف إلى مجتمع أكثر كفاءة وسعادة واستدامة وإنتاجية.