كتاب

تصاعد التطرف الإسرائيلي: الانعكاسات والمخاطر

منذ هجمات 7 أكتوبر 2024، التي اتخذتها إسرائيل ذريعةً لشنّ حربٍ شاملة على غزة، تحوّلت القضية الفلسطينية إلى ساحةٍ مفتوحةٍ لجرائم حربٍ ممنهجة، لم تُسقط آلاف الضحايا فحسب، بل دفعت المنطقة نحو حافة الهاوية. فالتطرف الإسرائيلي، المُتجذر في سياسات حكومة اليمين المتشدد، لم يعد يُهدد حلّ الدولتين فقط، بل يُغذي صراعاً إقليمياً قد يُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط.

خلف العدوان الإسرائيلي على غزة دماراً غير مسبوق، تجاوز كلّ حدود القانون الدولي:

- 48,346 شهيداً، معظمهم من الأطفال والنساء، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة (نوفمبر 2025).

- تدمير نحو 90% من البنية التحتية، بما في ذلك 34 مستشفى من أصل 38 في القطاع و136 مدرسة بالكامل بينما تعرضت 355مدرسة وجامعة لأضرار جزئية كما أن 90% من المدارس في قطاع غزة دمرت أو أصبحت غير صالحة للعمل، وتحويل القطاع إلى «أرضٍ محروقة».

- استخدام أسلحة محرمة، كالقنابل العنقودية والفوسفور الأبيض، في أحياء مكتظة مثل جباليا والشاطئ، ما تسبب في إصابة 12,000 مدني بحروقٍ وتشوهاتٍ دائمة.

- حصارٌ خانق: تقييد وصول الغذاء والدواء، ما أدى إلى وفاة 550 طفلاً جراء سوء التغذية، وفقاً لليونيسف.

وفي ظل صمت العالم، توسّعت إسرائيل في تهويد الضفة الغربية عبر:

- زيادة عدد المستوطنين إلى 770،420مستوطناً، موزعين على180مستوطنة و256بؤرة استيطانية بحلول 2025، مع مصادرة 9،4% من أراضي الضفة الغربية لصالح الجدار الفاصل. وعزل 705كم من اراضي الضفة أي ما يعادل 12% من مساحتها، بما فيها القدس الشرقية المحتلة.

- 2971انتهاكاً و هجمة استيطانية خلال عام 2024، نتج عنها مقتل 10 فلسطينيين وإتلاف أكثر من 14الاف شجرة وتهجير 800 عائلة، بحسب مكتب الامم المتحدة لتنسيق الشؤون الانسانية (OCHA) وفيما يتعلق بالعام 2025، تم تسجيل 1860اعتداء من قبل المستوطنين في الضفة الغربية.

- وفقًا لتقارير رسمية، شهدت الفترة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر 2023 وحتى يناير 2025 ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المعتقلين الفلسطينيين. بحسب معطيات نادي الأسير الفلسطيني، بلغ إجمالي عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية حوالي 10,400 أسير، منهم 5,150 تم اعتقالهم منذ بدء العدوان. من بين هؤلاء المعتقلين، هناك 85 سيدة، 320 طفلًا، و3,376 معتقلًا إداريًا (دون محاكمة)، بالإضافة إلى 1,886 معتقلًا من غزة تم تصنيفهم كـ«مقاتلين غير شرعيين». وفي الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، تم تسجيل ?والي 14,400 حالة اعتقال منذ 7 أكتوبر 2023. هذا العدد يشمل أكثر من 450 سيدة و1,055 طفلًا، بالإضافة إلى 145 صحفيًا و320 طبيبًا، معظمهم من غزة.

- نزوح 150000 الف فلسطيني من غزة إلى مصر عبر معبر رفح،

- الكارثة البيئية تلوث 40% من مياه غزة الجوفية بالمعادن الثقيلة، ما سيؤثر على الأجيال القادمة لعقود.

لم يعد الصراع محصوراً في الأراضي المحتلة، بل امتدت تداعياته لتهديد دول الجوار فاطلقت فصائل مقاومة في العراق وسوريا ولبنان الصواريخ على مواقع إسرائيلية ردا على مجازر غزة، وتراجعت مصر والأردن عن مشاريع التعاون الاقتصادي مع إسرائيل، بينما علقت السعودية مفاوضات التطبيع بعد مجزرة مخيم رفح (2024) التي راح ضحيتها 112 طفلاً، وانخفضت شعبية التطبيع في الدول الموقعة من 35% إلى 8%، وفق استطلاع «المركز العربي للأبحاث» (2025).

ان الاستمرار في تجاهل جذور الصراع لن يؤدي إلا إلى مزيدٍ من التدهور. فتصاعد التطرف الإسرائيلي يهدد بتحويل المنطقة إلى برميل بارودٍ جاهزٍ للاشتعال، سواء عبر حربٍ إقليميةٍ شاملة، أو عبر موجةٍ جديدةٍ من الإرهاب، أو انهيارٍ اقتصاديٍ يطال الدول الهشّة أصلاً. وعليه فإن أي حلٍّ سياسيٍ عادلٍ – وإن بدا بعيداً اليوم – يظل السبيل الوحيد لتفادي كارثةٍ إنسانيةٍ ستطال إسرائيل أولاً، ثم جيرانها، والعالم بأكمله.

وبحسب تقرير الأمم المتحدة 2022، فإن استمرار الاحتلال يُستخدم كأداةٍ لتجنيد الشباب في الجماعات المتطرفة، التي تروّج لخطابٍ دينيٍ يستند إلى «الدفاع عن المقدسات»، كما ان عمليات التهجير القسري، مثل ما حدث في حي الشيخ جراح بالقدس، تمنح هذه الجماعات ذرائعَ لعملياتها، كما حدث في هجماتٍ إرهابيةٍ سابقةٍ استُشهد بها الفلسطينيون كسببٍ للانتقام.

ان التطرف الإسرائيلي حوّل القضية الفلسطينية إلى قنبلة موقوتة تهدد العالم بأسره. فاستمرار الدعم الأمريكي (40 مليار دولار) منذ بدء الحرب العدوانية على غزة، متجاوزاً بكثير المساعدات السنوية المعتادة البالغة 3،8مليار دولار، والتهرب من محاسبة قادة إسرائيل يُعطيان إشارةً خطيرة: أن القانون الدولي يُطبَّع على القوة، لا على الحق، وعليه فإن إنقاذ مستقبل الفلسطينيين – والإقليم – يتطلب خطواتٍ جذرية:

1. مقاطعة إسرائيل اقتصادياً وعسكرياً، وفرض عقوبات على قادتها.

2. إعادة إعمار غزة تحت إشراف أممي، وليس عبر مشاريع تهويد جديدة.

3. تفعيل محكمة الجنايات الدولية لمحاكمة مجرمي الحرب.

ان القضية الفلسطينية ليست مجرد صراع على الأرض، بل اختبارٌ لضمير العالم، وان استمرار التطرف الإسرائيلي لا يزيد معاناة الفلسطينيين فحسب، بل يدفع المنطقة نحو انفجارٍ شامل، فتصاعد العنف اليوم – المدعوم بغطاء سياسي – يُغذي حلقة الكراهية، ويقوّض حل الدولتين. يتطلب الوضع ضغوطاً دولية حقيقية لوقف الاستيطان، ورفع الحصار، وحماية المدنيين.

يُعلّمنا التاريخ أن الظلم لا يدوم، لكن ثمن انتظار العدالة يدفعه الأبرياء، اما الشعب الفلسطيني الصابر الصامد على ارضه فلن يتنازل ابدا عن حقوقه المشروعة وفي مقدمتها اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وكما قال المفكر ادوارد سعيد «الشعب الفلسطيني خبير في البقاء لانهم يعرفون ان الحق لا يموت».