كتاب

غزة تعيد الوحدة للمشرق العربي

ربّ ضارة نافعة. حقبة ترامب الجديدة وفجاجته الصادمة ومقترحاته الغرائبية لم تترك مجالا للعرب الا الوحدة الحقيقية الصلبة ليس لفظيا حول المبادئ بل في الممارسة العملية وفي المواقف وفي القلب منها الموقف من التهجير.

ثمة خطة عمل مفصلة تردّ على خطّة ترامب ومقترحاته بحثتها القمة الخماسية في الرياض التي ضمت الاردن ومصر والسعودية والامارات وقطر وتوسعت لبقية دول مجلس التعاون الخليجي. لم يصدر عن اللقاء اي بيان لأن الخطة المقترحة ستعرض على القمة العربية في القاهرة في الرابع من آذار.

نجاح الاتفاق على رؤية وخطة من اجل غزّة سيكون امتحانا ايجابيا يمهد الأرضية لإدارة جديدة للسياسات في المنطقة تقوم على الوحدة والتناغم في الايقاع يجعل الجميع أقوى واقدر على فرض مصلحة المنطقة وشعوبها أمام القوى الخارجية وايصال رسالة لكل من يهمه الأمر أن رؤية مشتركة متماسكة من دول المشرق العربي ستقود المنطقة اليوم من اجل غزة اليوم وغدا لملفات اخرى مثل سوريا والعراق وأي شأن آخر.

لطالما فرقت دول الشرق الأوسط العربي مصالح ذاتية وحسابات خاصّة لكل نظام، حسابات تنافسية علنية أو مضمرة قصيرة النظر وضيقة الأفق أضعفت الجميع حتى اصبحنا رجل المنطقة المريض تستقوي عليه القوى الاقليمية والدولية وتلحق به افدح الأضرار. وفي اكثر الأوقات ضعفا وتخبطا وصلنا الى مرحلة لم يكن مردودها سوى تسيد أكثر السياسات غطرسة وتطرفا وعنصرية وعدوانية عند الاحتلال اذلت الجميع بلا استثناء ووصلت العربدة اثناء العدوان على غزة الى افتراض قبول الاردن ومصر للتهجير كمنتج اخير لحرب الابادة والتدمير.

شطحات ترامب ليست بالونات اختبار بل نوايا حقيقية تعكس مقاربته التجارية المعروفة لكل الملفات فهو ينظر للقطاع كما تنظر شركة تطوير عقاري لأحد احياء الصفيح بطرف إحدى المدن يجب اغراء السكان بمغادرته لتنفيذ مشاريع حديثة مبهرة في المكان. لكنه قد يترك المشروع ببساطة اذا تبين انه مستحيل التنفيذ وليس له اي فرصة وهناك بديل اكثر واقعية. وهذه مهمة المشروع العربي الذي ستقره القمة.

قادة اليمين العنصري المتطرف رقصوا طربا لخطة ترامب التي تجسد حلمهم السياسي العنصري، وباشروا فورا استخدامها لإفشال الصفقة وعودة الحرب. ولعل المهمّة التي اضطلع بها جلالة الملك باقتدار في زيارته الأخيرة لأميركا هي كبح اندفاعة ترامب وتحويل خطته الى وجهة نظر لا ترتبط بالصفقة وليست من شروطها، تمهيدا لتنحيتها. ونلاحظ ان هذا ما حدث حرفيا فقد عاد مبعوث ترامب ستيفن ويتكوف الى متابعة الضغط لإنجاح محادثات المرحلة الثانية دون ان تكون مقترحات ترامب على الطاولة، بل ان ترامب نفسه عاد يؤكد انه فوجئ بالرفض الاردني والمصري وم?ترحاته تكون مجرد نصائح لن يفرضها.

وهكذا تنفتح الطريق ليقدم العرب بصورة موحدة جماعية مقترحهم الذي يتلخص بهدنة دائمة وترتيبات لإعادة الاعمار تحت اشراف عربي ودولي مع ادارة انتقالية للقطاع متفق عليها وحسب تصريحات ويتكوف نفسه فإن عودة حماس للسيطرة على القطاع هي فقط الخط الأحمر الذي لن تقبل اسرائيل تجاوزه.

لا اعتقد ان حماس سترفض الخطة وقد صدرت تصريحات ايجابية من بعض قادتها. فحكم غزة المدمرة ليس مكسبا لحماس ولا مسؤولية تستطيع الاضطلاع بها. وحتى مظاهر الحضور المسلح لا تفيد شيئا للمرحلة المقبلة.

غزة تحتاج الى شبكة حماية عربية ودولية من الكيان المجرم الذي يشعر بالهزيمة لمجرد صمود الفلسطينيين في وطنهم.

لا نستبعد استمرار المناورات من نتنياهو لافشال المباحثات والعودة للحرب او التمترس على صيغة تبقي على خيار العودة للحرب قائما لكن المقترح العربي سيكون الأداة الأقوى لإضعاف هذه المناورات وجذب التأييد الأميركي القادر وحده على الزام نتنياهو بالمضي قدما بالصفقة.