كتاب

صَدقْنَا.. وكَذَبوا

صدق الأردن، لا جديد في هذه العبارة، وكذبت رويترز، وهذه كبيرة لمن قادته الأقدار لأن يعمل في مهنة الإعلام، صدق الأردن لأنه كان دائمًا كذلك، ولأن ذلك جزءًا من تكوينه ورسالته، وكذبت رويترز لأنها لم تتخيل أن ما اعتادته في مسيرتها الإعلامية يمكن أن يتضاءل أمام ملك كان جده أصدق البشر، وأنه ملتزم بأن تتساوى سريرته مع علانيته لأن ذلك تراث تأسس في السماء التي اصطفت خير الأنبياء والمرسلين.

كان الملك مرتحلًا إلى واشنطن يحمل في قلبه الأردن وفلسطين، ويعرف أن العالم يتابع عن كثب، وأن سبق الإصرار والترصد يصبغان ترقبًا طويلًا لما سيؤول له اجتماعه مع الرئيس الأمريكي، وسياسيًا كان يحمل على عاتقه تمثيل الأسرة العربية كلها، دولًا وشعوبًا، وأمام مفاجأة تدلل على عدم مصداقية الطرف الآخر وشيء من الرعونة في مواقفه وتصرفاته، كان الملك يتمسك بالمبادىء الأساسية المتوافق عليها للخروج بقطاع غزة وسكانه مما يدبر بالليل الأمريكي.

الخطأ في رويترز أنها توقعت وجود شخص اعتيادي يخضع لمنطق القوة، ولم تتخيل وجود ملك أتى من خلفية مقاتلة، وهذه ليست بالصيغة الشائعة، ولذلك قامت بعمل ربما يتصف بالذكاء وهو توقع التصريحات، ولكن ذلك واجه عملًا يتصف بالنبل وهو التوافق والاتساق مع المبادئ.

لم يكن الأردنيون والعرب ينتظرون اعتذارًا من رويترز، ولم يلتفت سوى المغرضون لخبر رويترز الذي وصفته الوكالة نفسها بأنه مضلل وسحبته من موقعها، فالثقة في عبد الله الثاني ابن الحسين هي ثقة توالت لجيل بعد جيل، وليست بحاجة لأن تحددها رويترز ومعاييرها التي سقطت أمام شجاعة جلالة الملك وصدقه النبيل.

على المستوى السياسي تأتي في هذه السابقة دعوة صادقة لمئات الملايين من أبناء الشعوب العربية لأن يستعيدوا ثقتهم في إعلامهم والذي وإن كان يتحفظ أو يحاول تجنب التأزيم يبقى جزءًا منهم ويعمل لمصلحتهم ومستقبلهم.

الاعتذار من رويترز لا يضيف شيئًا للملك الذي يعرف أن كل تصرف وفعل منه في عهدة الله والتاريخ وذاكرة الشعوب التي تستبقي الطيب بعد أن يتخلص من خبث المصالح والتنازع، ولكنه يضيف كثيرًا لمئات الملايين من المتابعين ليعرفوا أي بوصلة حقيقية تقودهم للمستقبل.