كتاب

اعتمد على نفسك.. فالعالم مشغول بأزماته

العالم دخل في سباق نحو المجهول، حيث تتلاطم الأزمات الاقتصادية والسياسية كما تتلاطم أمواج البحر الميت بعد نوبة مزاجية غاضبة، في خضم هذه الفوضى، يدرك الأردنيون أن عليهم الاعتماد على أنفسهم، لأن انتظار الفرج من الخارج أصبح يشبه انتظار المطر في تموز.

اليوم، عنوان المرحلة القادمة في الأردن هو «التكاتف الداخلي»، فلا مجال للترف أو انتظار المساعدات المشروطة، بل يجب استغلال كل إمكانيات البلد، من الأرض إلى السماء، ومن البحر إلى الجبال، فالمملكة تملك من الموارد والإمكانيات ما يجعلها قادرة على تحقيق نهضة اقتصادية، ولكن شريطة أن نخرج من دوائر «المماطلة» التي أتقنّاها لعقود.

إن فكرة الاعتماد على الذات ليست مجرد شعار يُردد في الخطابات، بل هي السبيل الوحيد للخروج من عنق الزجاجة الاقتصادية، فالمملكة بحاجة إلى تنفيذ حقيقي لـ'الاستراتيجيات» على أرض الواقع، لماذا نستورد المنتجات الزراعية بينما لدينا أراضٍ صالحة للزراعة تنتظر من يمد لها يد العناية؟ ولماذا نكتفي بكوننا سوقًا استهلاكية بينما نملك عقولًا قادرة على الابتكار والتصنيع؟

ويجب على الحكومة أن تعدل القوانين التي تجعل الاستثمار بعيدًا عن المغامرة البيروقراطية، حتى لا يُفاجأ المستثمر بكمية التواقيع اللازمة لمجرد فتح مشروع صغير، كما أن على القطاع الخاص أن يتوقف عن البكاء على أطلال الأزمة الاقتصادية، ويبدأ في البحث عن حلول مبتكرة لتعزيز الإنتاج والتصدير.

إذا كان العالم يواجه أزمة غذاء، فإن الحل ليس في رفع الأسعار، بل في زراعة كل شبر ممكن باستخدام أحدث التقنيات، فالمملكة تملك مناخًا متنوعًا يسمح بإنتاج محاصيل زراعية قادرة على غزو الأسواق العالمية، وليس فقط الاكتفاء بالزراعة، بل يجب استغلال الأراضي الشاسعة في إنشاء مزارع حيوانية بمختلف أنواعها لسد الاكتفاء الذاتي من اللحوم ومشتقاتها، وننتقل إلى توريدها وجلب العملات الصعبة، فهل هذا صعب علينا؟

آن الأوان للتحول من عقلية المستورد المستهلك إلى عقلية المُنتِج المصدِّر، فالاقتصاد لا يُبنى بالشكاوى، بل بالعمل الجاد والاستثمار الذكي في الزراعة والصناعة.

أما عن التعليم، فهو بحاجة إلى «إعادة ضبط المصنع»، إذ لا يمكن أن نواجه تحديات المستقبل بوسائل تعليمية تقليدية، يجب أن يتحول التعليم إلى أداة حقيقية لإنتاج كوادر قادرة على المنافسة في سوق العمل، بدلاً من أن يتحول إلى «خط إنتاج» للشهادات الجامعية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، نريد تعليمًا يُخرج رواد أعمال، لا طوابير جديدة من العاطلين عن العمل!

أما السياحة، فهي ثروة غير مستغلة بالشكل الكافي، الأردن ليس مجرد محطة ترانزيت للحجاج أو السياح العابرين، بل هو وجهة قائمة بذاتها، نملك البحر الميت والبتراء وجرش والعقبة ووادي رم، ولكن ما ينقصنا هو تسويق ذكي يجعل السائح يقضي أيامًا في الأردن بدلًا من الاكتفاء بساعات معدودة، تخيلوا لو استثمرنا في سياحة الشتاء، والسياحة العلاجية، وسياحة المغامرات، حينها لن تكون السياحة مجرد قطاع مكمل، بل ستكون أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.

المرحلة القادمة تتطلب تغييرًا جذريًا في العقلية الاقتصادية والإدارية، فالعالم لن يتوقف لينتظر من لم يستعد لمواجهة التحديات.

إن لم نعتمد على أنفسنا اليوم، فقد نجد أنفسنا غدًا نستورد حتى الهواء الذي نتنفسه! الآن، الكرة في ملعب الجميع: الحكومة، والمستثمرين والمزارعين والشباب والقطاع الخاص، فإما أن نبدأ العمل الجاد أو نواصل التذمر من الأوضاع حتى نصبح مجرد خبر اقتصادي في نشرات الدول الأكثر تطورًا!