خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

رأي حول ثقافة البيئة مطلع 2025

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. أيوب أبودية

بعد نقاش طويل حول «كيف نحيا حياة صديقة للبيئة؟» وهو كتاب صدر عن مؤسسة زايد الدولية للبيئة ضمن سلسلة دليل أصدقاء البيئة، يعترف بيتر Peter، بأنه ترك آثارًا ملحوظة من الكربون والميثان وغيرها من غازات دفيئة في الطبيعة خلال فترة حياته في الولايات المتحدة الأميركية. لقد حان الوقت، يقول بيتر، وهو يتحدث متلعثماً من الخجل والإحراج: إن هذه الأعمال غير المسؤولة وغير الواعية تجاه الطبيعة الأم يجب استبدالها بممارسات واعية رفيقة بالبيئة بطريقة أو بأخرى.

ينظر بيتر إلي باستفزاز واضح متوسلاً ردود فعل من أي نوع لمواساته، كما جاء في مقدمة الكتاب، وللتقليل من حجم الضغط النفسي الذي بات يعاني منه مؤخرا في ظل ارتفاع الوعي بالمسألة البيئية وخطورتها من حيث تهديد حياة البشر والتنوع الحيوي بمجمله على هذا الكوكب، مضيفاً أنه توقف عن أكل اللحوم الحمراء لهذا الهدف بالتحديد. فسألني: هل هذا يكفي للتكفير عن ذنوبي الماضية تجاه البيئة العالمية؟ بذلك السؤال شعرت أنه قد ألقى بالمسؤولية الأخلاقية في وجهي، وغدا ينتظر الإجابة بفارغ الصبر!

وهكذا استفزني بيتر على التفكير بعمق في هذه المسألة التي تنطوي على إشكاليات كبيرة، فهي تتمثل في رد الديون التي اقترضناها من الطبيعة، وقد آن الأوان لردها إلى الطبيعة نفسها؛ ديون طال انتظارها، وتمثلت في الضرر الناجم عن سلوكنا البشري الذي ألحق الأهوال بالطبيعة منذ ولادة المجتمعات البشرية المنظمة واندياح الامبراطوريات العظيمة، وخاصّة في ضوء المعرفة التي اكتسبناها منذ الثورة العلمية الكبرى في القرن السابع عشر وحتى انطلاقة الثورة الصناعية الأولى في نهايات القرن الثامن عشر التي قامت على المحرك البخاري الذي يعمل على الفحم، حيث بات اليوم متوسط ارتفاع ​​درجات الحرارة العالمية ملحوظًا بالفعل، وأمسى يزداد بصورة تدرجية، بدءاً من ثمانينيات القرن العشرين حتى يومنا هذا.

ومنذ الثورة الصناعية الأولى التي بدأت في نهاية القرن الثامن عشر، حرقت البشرية الوقود الأحفوري، بدءاً بالخشب، تلاه الفحم، ثم توسّع استهلاكنا في نهايات القرن التاسع عشر عندما اكتشف النفط، فضلاً عن اختراع محرك الاحتراق الداخلي في عام 1872 للميلاد واكتشاف الكهرباء في عام 1879 للميلاد الذي جعل استهلاكنا للطاقة أكبر بكثير، سيما وأن هذه الأحداث تزامنت مع توسّع الرأسمالية حول العالم، كما تزامنت مع القرصنة الذي مارسته الدول الاستعمارية لنهب خيرات الدول الفقيرة من ذهب، وفضة، وتجارة للبشر، وغير ذلك.

وبناءً عليه، فقد تصاعدت انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون العالمية بنحو 20 مرة عام 2000 للميلاد نتيجة حرق الوقود الأحفوري، وذلك مقارنةً بعام 1900 للميلاد. ووفقا لذلك، فإن الزيادة في متوسط ارتفاع درجة الحرارة العالمية للغلاف الحيوي للأرض وصل إلى درجة مئوية واحدة على الأقل في عام 2020 للميلاد، وبلغ معدل درجة ونصف مؤخرا، كذلك زاد معدل درجة حرارة أسطح البحار العالمية تقريبًا بنفس المقدار، وذلك مقارنة بعام 1750 للميلاد.

وفي مواجهة هذا الارتفاع في درجة الحرارة الذي بات يُعرف بالاحتباس الحراري، وما ترتب عليه من تغيّر مناخي، تتوجت جهود اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ باتفاقية باريس 2015 للحد من الزيادة إلى دون درجتين سلسيوس مع تكثيف الجهود لخفضها الى درجة ونصف، وذلك بحلول منتصف القرن لتجنب العواقب الوخيمة. ومن الواضح أن هذا الخيار فشل في ضوء ما بلغه العالم من احترار اليوم تجاوز درجة ونصف.

ومع إعلان الولايات المتحدة بشكل غير مسؤول التراجع عن الاتفاقية الإطارية بشأن تغير المناخ، وبالتزامن مع قدوم الرئيس السابق ترامب إلى الحكم، والآن عودته إليه مرة أخرى عام 2025، يتحمل الرأي العام الأمريكي، بما في ذلك صديقي بيتر، مسؤولية تغيير أنماط الاستهلاك والسلوك ووسائل النقل، من بين أمور أخرى حدثت في تلك الفترة، علماً بأن تغير سياسة الولايات المتحدة الأميركية مع قدوم حكم الرئيس بايدن تعد خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح، ولكنها لم تكن كافية. ولتحقيق التوازن في المعادلة دعونا نبدأ بالأولويات، التي تبدأ بالسلوك البشري الأكثر تلويثًا أولاً، ثم الانتقال إلى الأقل ضرراً بالبيئة.

من المتفق عليه أن انبعاثات غازات الاحتباس الحراري للفرد الأمريكي الواحد في عام 2015، بالنسبة للاستهلاك المنزلي قصير الأمد، وذلك وفقًا لشبكة البصمة العالمية Global footprint، كانت كما يلي:

وسائط النقل الشخصية 24٪

السكن (الكهرباء، التدفئة،...) 22٪

الخدمات (المطاعم، الرياضة، المؤسسات التعليمية، الخدمات الحكومية،...) 21٪

الغذاء (الأغذية والمشروبات) 17٪

السلع (الإلكترونيات، الملابس،...) 15٪

وفي عام 2014، ووفقًا لبيانات البنك الدولي، من حيث الكمية السنوية للكربون المنتجة لكل فرد، كان المواطن القطري هو الأعلى انتاجا للغازات الدفيئة، حيث بلغت 45.42 طنا لكل فرد، وكانت الولايات المتحدة عند 16.49 طنا، والأردن عند 3 أطنان، في ما كان أدنى رقم في القائمة دولة الصومال عند 0.05 طنا. فتخيلوا أن الإنسان القطري ينتج أكثر من 900 مرة من الكربون نسبة إلى الإنسان الصومالي، حسب احصائيات البنك الدولي.

ولوضع هذه الأرقام كتجربة حية معاشة في العالم الحقيقي، يحتاج بيتر، كمواطن أميركي، إلى زراعة نحو 1000 شجرة سنوياً، على افتراض أن الشجرة الناضجة الواحدة تمتص نحو 16 كيلوغراماً من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وذلك من أجل تحقيق حلمه لأغراض سداد ديونه البيئية لأمه الحنون – الأرض خلال فترة حياته على الأرض. لكن هذا النهج غير واقعي بالنسبة له، لذلك فهو بحاجة إلى تغيير أسلوب حياته جذرياُ، ولا يشتمل فقط على وقف استهلاك اللحوم الحمراء، بل يجب عليه أن يبحث عن وسائل نقل أخرى أكثر رفقا بالبيئة، وأيضاً عليه أن يختار بدائل للإسكان والخدمات والسلع التي يشتريها ويستهلكها. وإذا كان صديقي جادا في ما يدّعي فلن يحقق أي تغيير جوهري على البيئة في حياته (وفي حياة كل إنسان) إذا لم يشرع في تنفيذ ذلك الآن.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF