كتاب

الأردن في مواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب: حجر الأساس لتعزيز الأمن القومي

تعد مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ركيزة أساسية لتحقيق الأمن القومي لأي دولة، وبالنسبة للأردن، فإن هذه القضية تحظى بأهمية خاصة نظرًا لموقعه الجغرافي الحساس وتحدياته الأمنية والسياسية.

يواجه الأردن، كغيره من الدول، تهديدات متزايدة نتيجة الأنشطة غير المشروعة التي تهدف إلى غسل الأموال وتمويل التنظيمات الإرهابية، مما يستوجب اتخاذ إجراءات فعالة للحفاظ على استقراره الاقتصادي والأمني.

فالأمن القومي الأردني يعتمد على عدة محاور، أبرزها حماية الاقتصاد الوطني من أي تهديد يؤثر على استقراره. تعتبر عمليات غسل الأموال واحدة من التهديدات الخفية التي قد تؤدي إلى زعزعة الاقتصاد، حيث تُستخدم الأموال غير المشروعة لتمويل أنشطة إجرامية، أو لشراء أصول بطريقة تضر بالنظام المالي. فتؤدي عمليات غسل الأموال إلى تشويه السوق المالية وزيادة الفجوة الاقتصادية، مما يهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي.

من هنا، فإن مواجهة غسل الأموال تتجاوز كونها مجرد قضية مالية لتصبح جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية حماية الأمن القومي. وتمويل الإرهاب هو الخطر الأكثر وضوحًا المرتبط بغسل الأموال، حيث يُستخدم المال غير المشروع لدعم الجماعات الإرهابية وتمكينها من تنفيذ عملياتها. يُشكل هذا تهديدًا مباشرًا للأردن، خصوصًا في ظل التحديات الإقليمية التي تعيشها المنطقة.

فعملت التنظيمات الإرهابية في الماضي على استغلال الأموال غير الشرعية لتمويل عملياتها، سواء من خلال شبكات تهريب، أو عبر نظام مالي غير رسمي مثل «الحوالات». إذا لم يتم التصدي لهذه العمليات، يمكن أن يؤدي ذلك إلى تصاعد خطر الإرهاب، مما يهدد استقرار المجتمع الأردني ويعرض البنية التحتية الأمنية للخطر.

فقامت الحكومة الأردنية باتخاذ خطوات جادة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب كجزء من التزامها بحماية الأمن القومي. ومن أبرز الجهود التي تم تنفيذها:

1. إصدار التشريعات والقوانين؛ فتم تحديث قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ليتماشى مع المعايير الدولية، خاصة توصيات مجموعة العمل المالي. (FATF) يحدد القانون آليات واضحة لرصد وملاحقة العمليات المشبوهة، ويفرض عقوبات صارمة على المتورطين.

2. إنشاء وحدة مكافحة غسل الاموال وتمويل الإرهاب وتلعب هذه الوحدة دورًا محوريًا في تتبع العمليات المالية المشبوهة، وتحليل البيانات، وتبادل المعلومات مع الجهات الدولية المختصة.

3. التعاون الدولي والإقليمي ومشاركة الأردن بفعالية في الجهود الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، من خلال التعاون مع المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة، والبنوك المركزية، ومجموعة إيجمونت لوحدات الاستخبارات المالية.

4. تعزيز الوعي المجتمعي من خلال المؤسسات الأردنية لزيادة الوعي بين المواطنين والعاملين في القطاعات المالية حول مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وكيفية الإبلاغ عن الأنشطة المشبوهة.

فساهم النجاح في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في تحقيق الأمن القومي الأردني من خلال:

• تعزيز الثقة في الاقتصاد الوطني وجذب الاستثمارات الأجنبية، مما يدعم النمو الاقتصادي.

• الحد من قدرة الجماعات الإجرامية والإرهابية على تمويل أنشطتها.

• دعم سيادة القانون وقدرة الدولة على فرض سيطرتها ومحاسبة المخالفين.

• تعزيز الشراكات الدولية ومنح الأردن سمعة طيبة كمشارك فعال في الجهود العالمية لمكافحة الجرائم المالية.

فإن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ليست مجرد إجراء تنظيمي، بل هي مسؤولية وطنية تسهم في حماية الأمن القومي الأردني. بفضل الجهود المبذولة من الحكومة الأردنية والجهات المعنية، يظهر الأردن التزامًا قويًا في مواجهة هذه التحديات، مما يعزز من استقراره الداخلي ويمنع استغلال نظامه المالي من قبل المجرمين والإرهابيين. يتطلب تحقيق الأمن القومي نهجًا شاملاً يجمع بين التحديث التشريعي، والتعاون الدولي، والتوعية المجتمعية لضمان بقاء الأردن حصنًا منيعًا أمام أي تهديد يمس استقراره وسيادته.

Qosai90j@Gmail.Com