كتاب

الأردن وسوريا.. الفرص وآفاق التعاون

في ظل التحولات السياسية والاقتصادية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، تتجه الأنظار إلى سوريا كإحدى أبرز النقاط الساخنة التي تفتح فرصًا كبيرة أمام الأردن على المستويين الاقتصادي والسياسي.

فمع بداية الانفراج السياسي وما يفترض ان يتبعها من مرحلة التعافي التدريجي في سوريا بعد سنوات من النزاع، يظهر الدور الأردني كحامل رئيسي لمجموعة من الفرص الاستراتيجية التي تشمل دعم سيادة واستقلال سوريا واستقرارها ووحدة اراضيها ودعم عملية سياسية شاملة وجامعة لمختلف مكونات الشعب السوري بلا اقصاء ولا تهميش، تعبر عن ارادته في تحديد واختيار نظامه السياسي ومن يحكمه، اضافة الى المشاركة في مشاريع إعادة الإعمار بكل ما تتطلبه هذه العملية من خبرات وموارد يمتلكها الاردن او يستطيع توفيرها للشعب السوري الشقيق فضلا عن استغلال الامكانيات المتاحة لدى الطرفين لتعظيم فرص التعاون او التكامل الاقتصادي، وزيادة التبادل التجاري، كما يتمتع الأردن بعلاقات دولية قوية تؤهله للعب دور محوري في الدفع نحو عودة سوريا إلى محيطها العربي ورفع العقوبات الدولية عنها واعادتها للقيام بدورها كعضو فاعل في الساحتين الاقليمية والدولية.

يُعد الأردن من اقرب وأوائل الدول التي يمكن ان تحدث تغييرا ايجابيا سريعا في علاقاتها مع سوريا، خاصة بعد إعادة فتح معبر نصيب الحدودي، وهذا يشير إلى إمكانية تعزيز التبادل التجاري بين البلدين في مجالات متعددة مثل الزراعة، والمواد الغذائية، والصناعات المختلفة والمعدات الإنشائية، والمواد الأولية التي يمكن ان تسهم في دعم عمليات اعادة الاعمار بشكل عام وترميم وتحسين البنى التحتية والخدماتية للشعب السوري الشقيق، وقد تسهم العلاقات الأردنية-السورية في خلق قناة اقتصادية موازية تساهم في استقرار المنطقة من خلال زيادة تدفق حركة التجارة والبضائع والسلع ثنائيا واقليميا ودوليا.

الأردن، بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي، يمكنه تعظيم فوائد الطرفين عبر تفعيل الممر التجاري من والى وعبر السوق السورية إلى باقي أسواق الاقليم والمحيط الدولي، وهو ما يمنح الشركات الأردنية فرصة كبيرة للتوسع في السوق السورية وتقديم خبراتها في مجالات مثل الصناعة، والتجارة، والخدمات اللوجستية، ويعزز القدرة التنافسية للقطاعات الأردنية المختلفة.

إحدى الفرص الكبرى التي تفتحها المرحلة الحالية للأردن هي المشاركة الفعالة في عملية إعادة الإعمار في سوريا. فبعد سنوات من الحرب، باتت البنية التحتية السورية في حاجة ماسة إلى إعادة التأهيل في قطاعات حيوية مثل الإسكان، والصحة، والتعليم، والمواصلات، والخدمات العامة وتشكل هذه القطاعات فرصًا كبيرة للأردن للاستفادة من خبرات شركاته في مجالات البناء والإنشاءات والمقاولات، حيث ان الشركات الأردنية، التي تتمتع بسمعة قوية في مجالات البناء، والهندسة، والطاقة، والتكنولوجيا، والخدمات، قادرة على تقديم حلول مبتكرة وفعالة لتأهيل البنية التحتية في سوريا. إضافة إلى ذلك، فإن الأردن يمكن أن يستفيد من علاقاته الوثيقة مع الدول العربية والمؤسسات الدولية لتأمين تمويلات لمشاريع إعادة الإعمار.

إلى جانب الفرص الاقتصادية، يُعتبر الأردن لاعبًا محوريًا في المجال السياسي، حيث يسعى منذ سنوات إلى إعادة سوريا إلى محيطها العربي، خاصة ان المملكة تتمتع بعلاقات قوية مع الدول العربية وتُعد من أبرز الداعين لإنهاء عزلة سوريا في الجامعة العربية ورفع العقوبات المفروضة عليها، هذا التوجه يعكس التزام الأردن بعودة سوريا إلى موقعها الطبيعي في الساحة العربية، وهو ما سيسهم في إعادة فتح أبواب التعاون الاقتصادي والاستثماري بين الدول العربية وسوريا، ناهيك عن أن الأردن ومن خلال دوره العربي والدولي، لديه من القدرة والامكانيات السياسية والدبلوماسية ما يمكنه من مواصلة الضغط من أجل رفع العقوبات الغربية المفروضة على سوريا، ما سيسهم في تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي في البلاد.

اما فيما يتعلق بالوضع المائي فتُعد قضية المياه من أبرز القضايا التي تجمع بين الأردن وسوريا، في ظل الشح المائي الذي تعاني منه المنطقة يمكن للبلدين الشقيقين اتخاذ إجراءات فعالة لتنظيم وتوزيع حصص المياه بشكل عادل، كما يمكن العمل على تنفيذ مشاريع مشتركة لتحسين كفاءة استخدام المياه، وتطوير أنظمة جديدة للري، إضافة إلى العمل المشترك من أجل حماية الموارد المائية ومواجهة الاطماع والاعتداءات الاسرائيلية في هذا الشأن، ما سيكون له أثر إيجابي على الأمن المائي لكل من الأردن وسوريا.