لا بديل عن الدولة القوية التي تتوسل حُسْن إدارة الشأن العام من أجل حفظ الوحدة الداخلية وصنع الاستقرار وحفظ الأمن والأمان، وعندما تضعف الدولة لأي سببٍ كان يتدخل الخارج المجاور وغير المجاور، وتظهر الانقسامات الدينية والقومية والجهوية، وتنتشر الميليشيات المدعومة من الخارج والتي تريد تقاسُم السلطة مع السلطة المركزية أو تستهدف الغلبة عليها.
وخير ما يعطي الفرد الانطباع السائد لتلك الاستهدافات لوجود الدولة سواء من الداخل او الخارج لأطماع أو أجندات متنوعة؛ حقيقة ما تعرضت له دول عربية وحتى افريقية من شتات الاستقرار وضياع الدولة بمفهومها الشامل، وما انتهت له الممارسات والانقلابات وممارسات الميليشيات التدخلية من فشلٍ ذريعٍ ودمارٍ كبير وشقاءٍ للناس وتدهور للأوضاع؛ ولذا فإنّ كل مواطن عاقل وحكيم يجد نفسه مندفعاً في تيار المحافظة على الدولة الوطنية وتجديد تجربتها والدفع باتجاه تطورها في منأى عن تلك الصراعات متعددة المشارب والمتنوعة المصالح.
وما انعدمت التجارب الناجحة للدولة في محيطنا العربي نلتمسها من الخارج؛ ففي الجزيرة العربية دول هي ملء السمع والبصر ومثار اهتمام العالم اندفعت نحو نفسها وتجددها ورقيها بنفس وطني تشاركي لتكون الدولة الوطنية هي السبيل الوحيد للإنقاذ من الكوارث والأزمات والحروب والانقسامات الواقعة.
وبعض نماذج الدول عاشت أسلوب الانقلابات العسكرية، وأسلوب الثورات وما نجح الطريقان؛ ففي النموذج الأول؛ فشل في التنمية وفقدان السيطرة وضياع الأمان وانتكاس الدولة على نفسها حتى أصابها الأعياء ووصل لمرحلة المرض المستعصي في حفظ الحدود. وأما النموذج الثاني؛ فأحدثت الفوضى وجلبت الميليشيات أو سمح بقيامها واستعلائها وفي كلتا الحالتين ضعُفت الدولة وهانت وأصبحت ساحة قتال واقتتال وتداعت عليها الأمم من كل حدب وصوب، وما تزال المغالبة جارية وسط تحكم بعض الدول وانقسام بعض المجتمعات بسبب قوتهم ودعم جهة خارجية أو أكثر لهم، ك?نوا يتمكنون من حفظ الاستقرار، وإن لم يمتلكوا الشروط الأخرى للدولة الوطنية.
ومع الضعف الذي ينزل بالدولة تتداعى التدخلات الخارجية، ويظهر داء الميليشيات كما هو الحال في بعض بلدان المشرق العربي، واليمن وليبيا والسودان وسوريا ولبنان بيد انه بوجود الميليشيات ازدادت التدخلات الخارجية، واتخذت الفوضى سمات الحروب الأهلية.
كانت لدى العرب الموجة الأولى من الانقلابات، والموجة الحالية هي موجة الميليشيات التي تشهد اضطرابات بالمناطق الداخلية أو على الحدود من جانب ما يسمى حركات «التحرير» أو هيئات او غيرها من المسميات، ثم الحركات الإرهابية باسم الإسلام والتغير مدعومة ومسيسة من أجندات خارجية مسمومة الأهدف ومتعددة الأطماع!
وهنا تبرز أهمية الدولة وسلطتها لتحول دون اعتداء الآخرين على الوطن، وتوفير النطاق الأمني الداخلي والخارجي اللازم وحفظ كرامة المواطن والذود به عن كل الممارسات اللاإنسانية والوحشية والبربرية.
لقد أثبت الحاضر والماضي والمستقبل وبكل ما حمله ويحمله بضرورة الاجماع على ضرورة وجود الدولة وديمومتها، ولعبها هذه الوظيفة الأمنية والتنموية وتحقيق السعادة والحماية للمجتمع الذي تحكمه من خلال ثنائية الأمر والطاعة القائمة بين الحاكم والمحكوم. انطلاقا من المناداة بأن وظيفة الدولة هي إرساء العدالة وتحقيق المساواة وتنظيم المجتمع وإخضاعه للقوانين من أجل حماية أطرافه المختلفة.
فلتكن الدولة الوطنية هي الهدف الأسمى لنا جميعا.