كشفت دراسة محلية حديثة أهتمت بتقييم أداء المعلمين الأردنيين وفق متغيرات عديدة أنَّ معلمي الصفوف الثلاثة الأولى هم الأكثر ضعفاً في أدءاهم التدريسي وإدارة وتخطيط الأنشطة الصفية مقارنة بمعلمي المراحل الدراسية الأخرى، وتشكل هذه النتيجة مؤشراً مهماً يسلط الضوء على إشكاليات وتحديات تربوية وتعليمية عديدة ظهرت مؤخراً في قطاع التعليم في المملكة، منها ضعف القراءة والكتابة، وتراجع مهارات التفكير العلمي والنقدي، والتي كشفت عنها نتائج الدراسات والأختبارات الدولية التي تعرض لها طلبة الأردن، كالدراسة الدولية لقياس مدى تق?م القراءة في العالم (PIRLS)، والبرنامج الدولي لتقييم الطلبة (PISA)، والأختبار الدولي (TIMSS) والذي يقيس الأتجاهات في الدراسات العالمية للرياضيات والعلوم.
قد يكون هناك أسباب عديدة لتراجع أداء طلبة الأردن في الاختبارات الدولية، غير أنَّ ما كشفت عنه الدراسة المحلية قد يكون السبب الأهم والأساسي وراء هذا التراجع، فالصفوف الدراسية الأولى تعد أهم المراحل الدراسية في مسيرة الطلبة، فهي مرحلة حاسمة تتشكل لديهم فيها القواعد والمهارات الأساسية في اكتساب المعرفة، وتنمو اتجاهاتهم، وتتحد ميولهم واهتماماتهم، ويبدأون بناء تصوراتهم حيال العديد من الأشياء والظواهر والأهم تصوراتهم حيال انفسهم.
في الغالب توكل مهمة تدريس الصفوف الثلاث الأولى لمعلمين ومعلمات تلقوا تعليمهم الجامعي في تخصصات تعليمية ضمن كليات التربية في الجامعات الأردنية، ونادراً ما يذهب طلبة الثانوية العامة لدراسة هذه التخصصات استناداً لرغبتهم في هذا المجال، بل يساقون لهذه التخصصات بسبب معدلاتهم الدراسية المنخفضة في الثانوية العامة، ويعمق المشكلة أيضاً الخطط الدراسة والمساقات التي يتعرضون لها في كليات التربية، حيث تأخذ الطابع النظري بعيداً عن التطبيق الفعلي للتدريس الفعال.
وإذا ما أرادت الحكومة الأردنية ممثلة بوزارة التربية والتعليم المضي قدماً في معالجة الخلل الواضح في قدرات الطلبة ومهاراتهم، وتحقيقاً لرؤية التحديث التي أطلقها جلالة الملك عبدالله الثاني، فعليها وضع معايير وخطط جديدة لاختيار معلمي الصفوف الثلاث الأولى، وتشريع إمتيازات لهذه الوظيفة تفوق باقي وظائف الدولة، بموازاة شروط ومتطلبات دقيقة لشاغلي وظيفة تعليم طلبة الصفوف الثلاث الأولى. إلى جانب ذلك يسهم التدريب النوعي والفعال لا التدريب التقليدي الذي تقدمه الوزارة في تعزيز التنمية المهنية للمعلمين وتمكينهم، وكذلك ضرو?ة أن تعمل وحدات وزارة التربية والتعليم المختلفة على دعم بيئة تعلم تناسب أطفال هذه المرحلة.
دول عديدة في العالم عمدت مبكراً للإهتمام بطلبة التعليم الأساسي المبكر، ووضعت خططا واستراتيجيات من شأنها تجويد التعليم في هذه المرحلة، وكان جل التركيز على المعلمين وتدريبهم وإختيارهم بعناية، وتقديم كل أشكال الدعم لهم فيما يخص المناهج الدراسية، والبيئة التعليمية. ما نأمله أن تشكل نتائج الدراسة التي أجريت لتقييم أداء المعلمين، إلى جانب نتائج طلبة الأردن في الإختبارت الدولية نقطة تحول نحو سياسات جديدة في اختيار المعلمين وتعيينهم وخاصة معلمي مرحلة الصفوف الثلاث الأولى.
