تمر منطقة الشرق الأوسط بمرحلة بالغة الحساسية، حيث تزداد الأزمات عمقًا وتعقيدًا نتيجة للتوترات العسكرية والسياسية المستمرة، بينما تتصاعد الحروب في فلسطين وسوريا ولبنان.
يتجسد أحد أكبر التحديات في السياسات العدوانية لبعض القوى الإقليمية، وعلى رأسها الحكومة الإسرائيلية. هذه السياسات التي تتسم بالاعتداءات المتكررة على الشعب الفلسطيني ومقدراته والعنصرية الممارسة ضده والتوسع الاستيطاني والتنصل من التزاماتها المنبثقة عن قرارات مجلس الأمن واتفاقات السلام إضافة إلى اعتداءاتها المتكررة ضد لبنان واليمن وسوريا وآخرها احتلال الجزء السوري من الجولان وقصف دمشق وإعلان سوريا جبهة قتال اعتباراً من ليلة أمس بذريعة حماية الإسرائيليين علماً بأن سوريا لم تعد تشكل تهديداً لدولة الاحتلال، كل ذلك يقود حتمًا إلى زيادة الانقسامات وتفاقم الأزمات الإنسانية وتوسع نطاقها، مما يهدد استقرار المنطقة بشكل عام، الأمر الذي يجعل من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن تتبنى القوى الإقليمية والدولية سياسة متكاملة وأكثر عقلانية لضمان تجنب التصعيد وتحقيق الاستقرار المستدام.
أحد أبرز المظاهر الحالية للصراع في المنطقة هو التصعيد الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، حيث تشهد غزة والضفة الغربية موجات من القتل العشوائي والعنف والتدمير الواسع للبنية التحتية، بالإضافة إلى الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان الفلسطيني والاعتداءات المستمرة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. هذه التصرفات لا تؤدي فقط إلى تأجيج مشاعر الغضب لدى الفلسطينيين، بل تسهم أيضًا في نشر مشاعر الكراهية عند الشعوب العربية والإسلامية، مما يهدد بتحويل الصراع إلى حرب واسعة قد تشمل دولًا أخرى ويُترك الباب مفتوحًا لظهور مجموعات وميليشيات متطرفة جديدة مستغلةً الوضع في فلسطين لتجنيد المزيد من الاتباع، وقد يؤدي ذلك إلى الدخول في دوامات جديدة من العنف والنزاعات المسلحة التي ستهدد دول وشعوب المنطقة برمتها بويلات جديدة، ومع تصاعد العنف، تصبح الحاجة إلى تدخل دولي أكثر إلحاحًا لمنع هذه النزاعات من الخروج عن نطاق السيطرة.
الملك عبدالله الثاني بن الحسين كان قد طالب مرارًا بضرورة وقف العدوان الاسرائيلي على غزة والاعتداءات المتكررة ضد الفلسطينيين. كما حذر من مغبة تصعيد الصراع وتحويله إلى حرب واسعة، مؤكدًا -في كل المحافل الدولية- أن استمرار العدوان الإسرائيلي قد يؤدي إلى توسيع دائرة الصراع ليشمل دولًا وشعوبًا أخرى في المنطقة، مما يعمق الأزمات ويزيد من تعقيد الوضع الأمني. وقد تحقق كل ما كان يتخوف منه جلالته، حيث يواجه الشرق الأوسط تحديات متعددة تشمل التدخلات العسكرية، وتعقيد التحالفات الإقليمية، وكل ذلك يعود بالطبع لعدم وجود تحركات جادة من قبل المجتمع الدولي والقوى الفاعلة لحل الأزمات وفي مقدمتها قضية الشعب الفلسطيني ومعاناته المستمرة منذ أكثر من سبعين عامًا ووضع حد للتجاوزات والسلوك العدواني الإسرائيلي وضربها لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الامن ذات الصلة بعرض الحائط.
في هذه اللحظة التاريخية تشهد منطقة الشرق الأوسط تفاعلات وتغيرات مهمة، حيث يشهد الوضع في سوريا تحولًا ملحوظًا في موازين القوى. فبعدما كانت إيران تلعب دورًا محوريًا في دعم النظام السوري، بدأ تأثيرها في التراجع بشكل ملحوظ بسبب الضغوط العسكرية والسياسية، وهو ما يفتح الباب أمام تغيير التحالفات الإقليمية، هذا التغير في النفوذ الإيراني يشكل تطورًا مهمًا، حيث يعكس تحولات في استراتيجية القوى الكبرى في المنطقة، لا سيما مع ظهور تحول ملموس في اهتمامات ومصالح روسيا كلاعب رئيسي في النزاع السوري.
هذه التحولات لا تقتصر على سوريا فحسب، بل تمتد إلى لبنان أيضًا، حيث تراجع نفوذ إيران عبر حزب الله؛ ما يشكل فرصة لمراجعة الأولويات التي يمكن ان تسهم في تهدئة الأوضاع في المنطقة إذا التزمت القوى الدولية الفاعلة ومارست دورًا عقلانيًا في الضغط على الاحتلال الإسرائيلي ووقف الاعتداءات المستمرة على شعوب المنطقة وخاصة الشعب الفلسطيني.
إن استقرار الشرق الأوسط لا يمكن أن يتحقق دون معالجة القضايا الجوهرية التي تؤجج الصراعات، وأبرزها الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي وجرائم الاحتلال المتكررة ضد دول وشعوب المنطقة. ومن أجل ذلك، يتطلب الأمر من القوى الدولية تبني سياسة أكثر توازنًا ورشدًا وعقلانية، تضمن عدم الانجرار خلف الرواية والأحلام والسياسات العدوانية الإسرائيلية. حيث بات من الضرورة بمكان أن يضغط المجتمع الدولي على إسرائيل لوقف انتهاكاتها وفتح المجال لحوار جاد من أجل التوصل إلى حل عادل يضمن حقوق الفلسطينيين ويحقق الأمن والاستقرار لشعوب المنطقة ومصالح دولها.
إن عقلنة السلوك السياسي للقوى الإقليمية والدولية الفاعلة أمر حيوي وأولوية لا غنى عنها وجزء أساسي من الحل المرجو لوقف الصراع ونزيف الدماء في المنطقة، بما في ذلك الضغط بشكل جاد وحقيقي ومنتج على إسرائيل لتغيير سياساتها العدوانية، ووقف التصعيد العسكري، ودعم حل الدولتين الذي يعد السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار في المنطقة وحفظ مصالح الجميع وتجفيف منابع التطرف لدى كل الأطراف، بما في ذلك داخل إسرائيل (حكومةً ومستوطنين)، فالمنطقة بحاجة إلى حلول سياسية شاملة تحترم حقوق جميع الأطراف وتجنبها الانزلاق إلى مزيد من الحروب والصراعات التي لا يمكن التنبؤ بعواقبها.
فالمطلوب كف يد إسرائيل عن العبث بالمنطقة وتحديداً في المشهد الفلسطيني والسوري مثلما يتم كف يد ايران.