مع التطور المتسارع للتكنولوجيا والاعتماد المتزايد على الخدمات الرقمية في جميع القطاعات، أصبح الأمن السيبراني أولوية حتمية للدول والمؤسسات.
وفي الأردن، تعد حوكمة الأمن السيبراني حجر الزاوية في حماية المعلومات والبنى التحتية الرقمية من المخاطر المتزايدة. يهدف هذا المقال إلى تسليط الضوء على الأطر التشريعية والمؤسسية لحوكمة الأمن السيبراني في الأردن، وأهميتها في تعزيز الثقة الرقمية.
الأطر التشريعية والتنظيمية للأمن السيبراني في الأردن
يعد قانون الأمن السيبراني رقم 16 لعام 2019 أبرز الأسس القانونية التي أرست ملامح الحوكمة في هذا المجال. وقد أنشأ القانون المجلس الأعلى للأمن السيبراني بهدف التنسيق بين مختلف الجهات الحكومية والخاصة لتحقيق الأمن الرقمي.
بالإضافة إلى هذا، يتم تنظيم العديد من المجالات الأخرى ذات الصلة عبر قوانين:
• قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، الذي يجرم الاختراقات والأنشطة الخبيثة.
• مشروع قانون حماية البيانات الشخصية، الذي يهدف إلى تنظيم معالجة البيانات بما يحفظ خصوصية الأفراد.
الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني
وضعت الحكومة الأردنية استراتيجية وطنية للأمن السيبراني تهدف إلى تحسين الجاهزية الرقمية وتطوير البنية التحتية لحماية القطاعات الحيوية مثل المالية، الطاقة، والصحة.
وترتكز الاستراتيجية على عدة محاور رئيسية، من أبرزها:
• تعزيز القدرات الوطنية: عبر بناء كوادر مؤهلة وتوفير التدريب المستمر في مجال الأمن السيبراني.
• إدارة المخاطر السيبرانية: من خلال تطوير آليات للتنبؤ بالتهديدات ووضع خطط استجابة فعالة.
• تشجيع الابتكار والشراكات: بين القطاعين العام والخاص لتطوير حلول رقمية آمنة.
• رفع الوعي المجتمعي: من خلال حملات توعوية تهدف إلى تحسين الثقافة الأمنية لدى الأفراد والمؤسسات.
حوكمة الأمن السيبراني في المؤسسات والشركات
تعد حوكمة الأمن السيبراني في الشركات جزءًا مهمًا من إطار الحماية الوطني. تعتمد هذه الحوكمة على مجموعة من السياسات والإجراءات التي تشمل:
• تحديد الأدوار والمسؤوليات: بحيث تتحمل الإدارة العليا مسؤولية الإشراف على الأمن السيبراني، إلى جانب تفعيل دور فرق تقنية المعلومات.
• تقييم المخاطر المستمر: لضمان رصد التهديدات المحتملة ووضع خطط استجابة مرنة.
• التدقيق والمراجعة: للتأكد من امتثال المؤسسات للمعايير الوطنية والدولية.
• برامج التدريب: لتعزيز مهارات الموظفين ورفع مستوى وعيهم بمخاطر الهجمات السيبرانية.
التحديات التي تواجه حوكمة الأمن السيبراني في الأردن
رغم الجهود المبذولة، تواجه حوكمة الأمن السيبراني في الأردن عددًا من التحديات، من أبرزها:
• تصاعد التهديدات السيبرانية: التي تتنوع من هجمات الفدية إلى الاحتيال الإلكتروني.
• نقص الكفاءات المتخصصة: مما يشكل عقبة أمام تطوير وتنفيذ سياسات أمنية متقدمة.
• التكامل بين الجهات المختلفة: حيث يتطلب الأمن السيبراني تعاونًا وثيقًا بين القطاعين العام والخاص لضمان الاستجابة الفعالة للتهديدات.
• التطور المستمر للتكنولوجيا: مما يتطلب تحديث السياسات والإجراءات بشكل دوري.
المعايير الدولية ودورها في الحوكمة
يعتمد الأردن على عدد من المعايير الدولية لتعزيز أمنه السيبراني، مثل:
• ISO 27001: لضمان إدارة أمان المعلومات بفعالية.
• NIST: لتوفير إطار شامل لتقييم المخاطر ووضع خطط استجابة.
إن الالتزام بهذه المعايير يعزز من مصداقية المؤسسات ويساعد على بناء الثقة مع الشركاء المحليين والدوليين.
فتعد حوكمة الأمن السيبراني في الأردن خطوة حيوية نحو تعزيز الأمان الرقمي في ظل التحديات المتزايدة. ومن خلال الأطر التشريعية الصارمة، الاستراتيجيات الطموحة، والشراكات الفعالة بين القطاعين العام والخاص، تسعى المملكة إلى توفير بيئة رقمية آمنة تدعم الابتكار وتقلل من المخاطر السيبرانية. ومع استمرار التقدم في هذا المجال، تبقى الحاجة إلى تحديث السياسات وتطوير الكفاءات من العوامل الأساسية في تحقيق أهداف الحوكمة.
توصيات مستقبلية
• تعزيز التعاون الإقليمي والدولي: لتبادل المعلومات حول التهديدات السيبرانية وأفضل الممارسات.
• الاستثمار في تطوير الكفاءات المحلية: من خلال برامج تعليمية وتدريبية متخصصة.
• تعزيز الحوافز للقطاع الخاص: لتبني حلول الأمن السيبراني.
• تحديث التشريعات بشكل دوري: لمواكبة التطورات التكنولوجية.
بهذه الجهود، يمكن للأردن تعزيز موقعه كمركز إقليمي للأمن الرقمي، مما يساهم في حماية مصالحه الوطنية ويعزز ثقة المستثمرين في بيئته الرقمية.
مدرب الحوكمة وإدارة المخاطر والالتزام
Qosai90j@Gmail.Com