يبقى ما هو أكبر من الانسجام الحكومي والرغبة في تسريع الأداء التشريعي وتمرير القوانين. إنها إشكالية ضمان الثقة الشعبية في المؤسسات، وعلى رأسها المؤسسات المنتخبة، إذ كيف السبيل لتصحيح الصورة السلبية التي تراكمت عبر سنوات لدى المواطنين حول الحكومة والبرلمان والسياسة والسياسيين، تمثلات تضع الوزراء والبرلمانيين وصناع القرار في مرتبة موازية للمحتمين بالحصانة من أجل قضاء مصالحهم الخاصة ليس غير. وهذا هو السبب الرئيسي الذي قد يكون خلف العزوف السياسي وارتفاع نسبة مقاطعة الانتخابات والانتساب للأحزاب، التي وصلت أرقاما?أكبر بكثير مما يصرح به.
غداة الانتخابات الأخيرة، كان الدافع وراء تصويت الأردنيين من أجل التغيير ومن أجل زخم جديد، وهنا يفترض على المؤسستين التنفيذية والتشريعية والأحزاب تحقيق هذه الرغبة في التغيير لدى المواطنين؛ باعتبار أن التغيير رهانٌ استراتيجي للأردن. وقد انعكس ذلك في صندوق الاقتراع، لكن شخصية رئيس الحكومة الجديد تؤكد توافر الإرادة الحقيقية للمضي قدما في تنفيذ سياسة الإصلاح وهي من الشخصيات التي يجمع الاردنيون على احترامها والثقة فيها.
من جانب آخر، يطرح البعض شكوكا في أن يكون هناك ملتمس سري غير معلن في مشروع «التحديث السياسي الجديد» الذي اقترحه وصادقت عليه الدولة والتوصية بضرورة بسط يد الحكومة على البرلمان للمساعدة على تنفيذ المشاريع والاستراتيجيات، تسهيلا لتنزيل برنامج الدولة الثلاثي (السياسي والاقتصادي والاداري) بهدوء ومن «دون تشويش». وهذا لم تتمتع به أي حكومة سابقة؛ لذلك لن تتذرع الحكومة بأية حجة، من قبيل «جيوب مقاومة التغيير'؛ فمنذ اليوم ليست هناك حواجز أمام الحكومة، بعد تشكيلة حكومية مريحة ومنسجمة وقوية ضمت بين جنباتها وزراء حزبيين ?برلمانيين سابقين، وبعد سيطرة احزاب وسطية واسلامية على مقاعد مجلس النواب؛ فلا ذرائع ولا أعذار أمام الملك والرأي العام.
وربما يدخل الأمر في سياق توافر الإرادة القوية داخل النظام، بالاصرار على مشروع الإصلاح، محذرا من الأخطاء او التراجع التي ستوصلنا إلى الحائط، أي إلى نفق مظلم لا سمح الله.
وقد قطع الأردن شوطا مهما في إرساء القواعد لتحديث الدولة وتعزيز منعتها، ورسم مسار مئويتها الثانية، بعد جهود تجلت فيها حالة التوافق الوطني، خدمة لأجيال الحاضر والمستقبل حيث تتمثل رؤية التحديث الاقتصادي الملزمة للحكومات مستندة إلى معيار لقياس أداء الحكومات والتزامها أمام جلالة الملك.
ويشكل التحديث الشامل بمساراته السياسية والاقتصادية والإدارية بكل جوانبه مشروعا وطنيا كبيرا، يجب أن تدور حوله كل الأهداف الوطنية وتسخر الجهود والكفاءات البشرية والموارد لتحقيقه؛ وهنا فان مؤسسات الدولة تبني مفهوماً جديداً للإنجاز الوطني يلمس نتائجه المواطنون على ارض الواقع، ولن يقبل جلالة الملك بالتراجع أو التردد في تنفيذ هذه الأهداف.
ويتلخص هدف مسار التحديث الاقتصادي كما يتطلع اليه جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله في تحسين مستوى معيشة المواطنين وتوفير فرص التشغيل والاستثمار ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة بالاستناد إلى العمل الاستراتيجي المدروس، حتى تعود الحيوية إلى كل القطاعات الإنتاجية ويحقق تعافياً اقتصادياً من جديد، والتحديث السياسي والاقتصادي لا يكتملان دون إدارة عامة كفؤة مؤمنة بتوفير أفضل الخدمات للمواطنين وتعتمد التكنولوجيا الحديثة وسيلة لتسريع الإنجاز ورفع مستوى الإنتاجية وتحقيق للتغيير المنشود.