كتاب

الاختراقات الاستخبارية.. والتحليلات الرغائبية

مضت 24 ساعة قبل أن يؤكد حزب الله مقتل رئيس أركان قواته «فؤاد شكر- الملقب الحاج محسن»، أو ما يوصف ب «المساعد الجهادي» للسيد حسن نصرالله، في غارة اسرائيلية على حارة حريك بالضاحية الجنوبية من العاصمة اللبنانية بيروت، المقر الرئيسي لحزب الله ومؤسساته المركزية، وبينها مجلس الشورى وربما مقر الامين العام، وخلال الساعات الاربع والعشرين بقي الحزب، يلتزم الصمت الى أن أصدر في صباح اليوم التالي بيانا أوليا، أكد فيه بأن «شكر» كان موجودا في المبنى المستهدف، وأن عمليات الانقاذ متواصلة للبحث عنه! والغريب أن قوات الاحتلال انتظرت حوالي 3 ساعات فقط، لتعلن بثقة وبشكل حاسم عن تصفية «شكر «!ويبدو أن رسالة وصلت من شاهد عيان الى مكتب الناطق العسكري لقوات الاحتلال، من موقع الحدث أو من المستشفى الذي نقل اليه جثمان «شكر» لتؤكد تصفية الهدف! لا يوجد تفسير آخر غير اختراق استخباري واسع للدائرة الضيقة المحيطة بحسن نصر الله. وخلال هذه الساعات العصيبة تبارى المحللون العرب عبر الفضائيات، كل «يغني على ليلاه» للتكهن بنتائج الغارة الاسرائيلية وما مصير الهدف المستهدف!ومن المفارقات المضحكة، أن أول خبر عن نجاة «شكر» بثته وكالة تسنيم الايرانية، ثم نسبت وكالة رويترز لمسؤول أمني لبناني أن «شكر» نجا من عملية الاغتيال، ثم توالت التسريبات لوسائل اعلام وصحف ومحطات فضائية دولية وعربية، تنسب لمسؤولين مجهولي الهوية تتكهن بأن عملية الاغتيال فشلت، واستمرت حالة الغموض وسط الغبار المنبعث من قصف البناية المستهدفة، الى أن أصدر حزب الله بيانا رسميا يقر بمقتل «شكر»، وزاد على ذلك معلومة جديدة وهي مقتل مستشار عسكري تابع للحرس الثوري الايراني في العملية، ويبدو أن المستشار كان مجتمعا مع «شكر»، ويزوده بتعليمات في اطار التنسيق بين فصائل وميليشيات ما يسمى «محور المقاومة» الذي تقوده ايران.وسؤال المليون، هنا كيف علمت أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية بذلك بدقة متناهية في الوقت والمكان! وكأننا أمام «فزورة» أو لغز يحتاج الى تفسير من قبل المنجمة اللبنانية «ليلى عبد اللطيف'!أصبح الصبح واذ بمفاجأة أخرى أحدثت صدمة أكبر بكثير من عملية اغتيال «شكر»، تتعلق باغتيال اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في طهران التي تعتبر عاصمة «محور المقاومة'! وهنا انطلق سيل من التحليلات كالعادة، لتفسير هذا «اللغز» كيف وقعت عملية الاغتيال، في مكان يخضع لحراسة مشددة من قبل الحرس الثوري اليد الطولى للنظام الايراني، الذي يوجه ويسلح الميليشيات التي زرعها في عدة دول عربية.واستقرت التحليلات المستعجلة والرغائبية في البداية، على فرضية أن العملية نفذت بصاروخ موجه ودقيق، جاء من دولة مجاورة أو من غواصة اسرائيلية في البحر، أو أطلق من مقاتلات نوع «اف 35» المتطورة، أو أنها نفذت عبر صاروخ أطلقته مسيرة من داخل الاراضي الايرانية، وكل محلل صار يفسر نظريته وفق خبرته ورؤيته ورغباته!.الى أن صدر خبر في اليوم التالي نشرته صحيفة نيويورك تايمز، ثم أكدته محطة «سي ان ان» الاميركيتان، منسوب الى سبعة مسؤولين من الشرق الأوسط، بينهم اثنان من ايران ومسؤول أميركي، ينسف كل تكهنات المحللين العرب، مفاده أن عملية اغتيال هنية نفذت بواسطة عبوة ناسفة، كانت مخبأة سرا قبل شهرين في بيت الضيافة الذي خصص لاقامة هنية، وتم تفجيرها عن بعد بمجرد دخول هنية الى الغرفة، في الوقت الذي لم تعلن اسرائيل مسؤوليتها عن العملية وأبقت على حالة الغموض!فرضية الصاروخ الذي دخل من نافذة غرفة نوم هنية، تبدو غير منطقية ويصعب استيعابها، رغم التقدم التكنولوجي المتوفر بأيدي دولة الاحتلال، وبعد مرور 4 أيام على العملية أصدر الحرس الثوري بيانا يقول فيه: إن العملية نفذت من خلال اطلاق مقذوف من مسافة قريبة! لكنني أعتقد أن احتمال العبوة الناسفة أقرب الى التصديق، خاصة مع وجود اختراقات أمنية سابقة للموساد الاسرائيلي للنظام الايراني، ويمكن الاشارة الى بعضها مثل سرقة الارشيف النووي الايراني، واغتيال العالم «محسن فخري زاده»، الذي يوصف بأنه «أبو البرنامج النووي الإيراني» أواخر عام 2020 قرب طهران باستخدام «روبوت قاتل»، وعمليات اغتيال كثيرة وقعت لمستشارين عسكريين تابعين للحرس الثوري الايراني في سوريا..!.Theban100@gmail.com