الحديث عن «الرأي» لا يتوقف عند اضاءة شعلة تضاف إلى مسيرة انطلاقها قبل نصف قرن وأزيد، ولكن من الضروري أن نقف عند كل عدد يُدفع به إلى المطبعة، وما يحمله من محتوى يتوافق مع رسالتها وسياستها، دون إسفاف أو اجحاف، أو التفاف.
وفي هذا الحديث، فقد التحقت بركب «الرأي»، وكان من حسن حظي أنني جئت وهي تواصل صعودها المهني والمالي.
تحت سقفها وجدت نخبة متكاتفة، سبقهم الأستاذ المفكر جمعة حماد وهو يحمل أعدادها على كتفه النحيل ذارعاً الشوارع ويقوم بتوزيعها كما لو هو «بايع جرايد» رغم مكانته المهنية ومقامه الشخصي وطيب معشره وعظيم خُلُقه.
فقط، لأن هذا الرجل يعشق النجاح ويطوّع التحديات ويحب الرأي ولو أنها ماله، ومعه سار بها إلى معارج الإعلام، الأساتذة الكبار، سليمان عرار ومحمود الكايد ومحمد العمد، ولحق بهم رجا العيسى.
أما وقد خص شعاع الشمس «رجال الرأي» بموعد معه ليكونوا في دائرة الضوء، فما كان هذا إلا لأنهم استتوا على نظرائهم في سوق «صاحبة الجلالة» وحرصوا على قدسية المهنة ومتطلباتها ومتابعة أخبارها، وحرصوا على كرامة أنفسهم.
إن أول من علّمني الحرف ووجّهني لـ «التواضع الصحفي» هو الأستاذ نظمي السعيد، وأول من عاتبني على حب «الرأي»، وقد بلغت من «الحَرَد» أياماً دون دوام، كان رئيس التحرير الاستاذ محمود الكايد، يومها قال لي «من يحب صحيفته، عليه أن يتحمّل ظروف العمل، وأنت تحب (الرأي)»، لأظل على تلك التوصية، وإلى اليوم هذا.
في ذكرى مولد «الرأي»، شدّني الحديث مع بعض من رافقتهم بمسيرتها العظيمة، وكم تمنيت لو أن المجال أتاح لي للحديث مع جميعهم، ولكن المكان لا يتسع، وهناك من لم تسمح له ظروفه بالحديث، ومنهم من استعصى عليّ الاتصال معه.
أطلعني الأساتذة راكان المجالي وأحمد سلامة وسمير جنكات ونادر الحوراني ويوسف العلان وزملاء آخرون، على بعض تجاربهم في «الرأي»، فكنت أتقلب على متاعب كثيرة، وأنا استمع وأقرأ لهم، مع أنه نالني كثير من التعب خلال العقود التي قضيتها في هذا «البيت المعتق»، ولكنه تعب لم يصل إلى ما هو عليه اليوم من وجع، وما يشعر به كل من دخل وغادر وقرأ حروف الصحيفة الأولى.
الرأي، إضافة إلى ما شكّلته في أقلامها من خنادق وبنادق دفاعاً عن الوطن في مراحل مفصلية، إلا أن إعلاناتها كانت «طعّامة زاد» لأهلها وللحكومة ولكثير من الأفراد والمؤسسات الأردنية والعربية وهي «تهيل» عليهم وعلى تلك الجهات، تبرعات سخية في مجالات خيرية وثقافية واجتماعية.
ربما جنحتُ عما يفترض أن أقوله ونحن نحتفل بالعيد الثالث والخمسين من إسالة حبر «الرأي»، الذي وصّى به الشهيد وصفي التل، وقد نقل بعض الأساتذة، أن الراحل كان صوّب وعدّل بمداده ما يمكن تصويبه في العدد الأول لـ«الرأي» لتأخذ مداها.
السؤال ظل مفتوحاً: لماذا كل هذا الصمت حيال هذه المؤسسة العريقة التي قدمت للدولة «لحمها وشحمها» وقد بان عظمها، وحتى لا نقول ما نفسد به على أهلها ومحبيها من حفاوة في هذا اليوم، وكل من يمر عليها ولو بـ'السنة مرّة» ليقول: كل عام وانت يا «رأي» بخير، فمن تملك حبر الوطن، فإن حبرها لا يجف؟!.