كتاب

سماؤنا حصينة.. وأولويتنا سلامة المواطن وأمن الوطن

الضربة الإيرانية تجاه إسرائيل لم تكن مفاجئة بالنسبة للأردن وقيادته وقواته المسلحة، فالوعي بالسياقات الإقليمية يتخطى حادثة الاعتداء الإسرائيلية على القنصلية الإيرانية في دمشق والتي تندرج الضربة في إطار عملية انتقام محسوب واستعادة توازن على المستوى الإقليمي، والأردن يضع في حسبانه جميع السيناريوهات منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والتحرش الإقليمي الذي يمكن أن يتطور إلى حرب واسعة ضمن السيناريوهات التي جرت دراستها في الأردن.

تحركت الأردن بإغلاق المجال الجوي أمام الطيران المدني بصورة مبكرة للمحافظة على أروح مواطنيها وزوارها قبل أن تتضح المعالم الأولية للضربة الإيرانية لدرجة أن العديد من الجهات ربطت ذلك بخلل في نظام الجي بي إس على مستوى المنطقة، وتحقق الأردن بذلك نجاحًا مخابراتيًا يتكامل مع القدرة على اتخاذ القرار في التوقيت المناسب، وبالصورة التي تلزم للمحافظة على أمن الوطن وسلامة مواطنيه وتجنيبهم أية مخاطر.

كان الأردن واضحًا من البداية، أجواؤنا ليست مجالًا لتصفية الحسابات، وهذه الرسالة وجهت لجميع الأطراف بصورة متساوية، وتوجد شواهد تاريخية كثيرة على المبدأ الأردني المتجذر والذي يستند في الأساس لمبادئ التعامل الأردني على المستوى الإقليمي والدولي، والتعامل كان ضمن خطة وضعت مسبقًا لا تعنيها بأية حالة أهداف أو غايات أو وجهات أي مسيرات أو صواريخ، ومن يتصور أن الأردن يمكن أن يكون مجرد ساحة سلبية تتخلى عن سيادتها وتغامر بأمنها فهو لا يعرف قواعد الاشتباك الأردنية على المستوى السياسي والأمني والعسكري.

حتمت هذه القواعد على القوات المسلحة منع المسيرات والصواريخ التي أنذرت الرادارات بإمكانية سقوطها في الأراضي الأردنية، أو احتمالية تعرضها لحوادث تهدد التجمعات السكانية في الأردن، والهدف الواضح هو الواجب تجاه الوطن والمواطنين، ولم تكن الدولة والجيش يعتبران أنفسهما طرفاً في أي لعبة سياسية، ومن تسرعوا في توجيه اللوم للأردن ووضعه تحت سهام النقد، كان عليهم أن ينتظروا للصباح ليستمعوا لتصريحات وزير الخارجية الإيراني وهو يترجم الضربة لمكتسبات سياسية، ويجنح للتهدئة ويؤكد على دقة عدم الاستهداف الإيراني لتجنب المصالح الاقتصادية والتجمعات المدنية في إسرائيل، وحتى لو استشعر الأردنيون المرارة من بعض التعليقات والمقولات المرسلة وغير القائمة على أي سندأو معرفة، فإنهم يدركون أنهم قاموا بواجبهم بالصورة اللازمة والصحيحة، وحافظوا على مواطنيهم ومصالحهم.

الأردن لم يهبط على الإقليم بالأمس، وإذا كانت توجد دولة يمكن أن تقدم سردية متكاملة لا تخلط فيها الأوراق ولا تقدم الحقائق أو تؤخرها، فالأردن هو هذه الجهة، والانتقام الإيراني لا يجب أن يهدد مصالح الأردن وأن يروع مواطنيه ولا أن يعرضهم لأية مخاطر حتى لو كانت معظم الصواريخ كما ظهر مما وقع منها في الأرض الأردنية خالية من الرؤوس المتفجرة، الأردن ليس رقعة شطرنج للصراع ولا يمكن أن يتحول إلى مجرد أرض خالية، فالأردن دولة عريقة مرت بتجارب كثيرة وخاضت حروبها في التوقيت الذي يناسبها وضمن تقديرها لمصالحها الوطنية والقومية، وللأردن جيش تمرس في عمله ويشهد له بالكفاءة في أداء مهامه ولديه القدرة على التصدي لكل ما يهدد أمن الأردن، من غير أن يقيم أية اعتبارات لحسابات الآخرين وصفقاتهم الخفية أو المعلنة.