خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

أفكار على هامش الخطاب السياسي في "الرابية"!

No Image
طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
سامح المحاريق

سيغفل المؤرخون فصلاً احتجاجياً في تاريخ الأردن، لأنه على الرغم من سخونته لم يستمر طويلاً، وكان يتعلق بهدف واحد وواضح يتمثل في الإعراب عن الاستياء في الشارع لرفع أسعار المحروقات الذي اتخذته حكومة الدكتور عبد الله النسور في نوفمبر 2012، بعد قرابة العامين من انطلاق الربيع العربي الذي شهد الأردن حصةً من تفاصيله في مارس 2011.

تعالت الهتافات على دوار الداخلية، وبعد جذب وشد بين المتظاهرين وقوات الأمن تحولت الكتلة الاحتجاجية إلى جبل الحسين، وفي تلك الأثناء ظهر أفراد يشعلون النار في حاويات القمامة ويبدأون في تحريكها، وهو ما دفع بمجموعة من اليساريين الأردنيين إلى محاولة منع هذه الفئة غير المعروفة ضمن السياق الاحتجاجي، وكاد الأمر يتطور إلى اشتباك جانبي، يومها سألت أحد الأصدقاء حول الحادثة عن موقفه، فأخبرني أنه استدعى ما يحدث في سوريا، وكانت الأمور تنحدر بصورة متسارعة في البلد الشقيق، وأن ذلك كان مصدراً لفزعه الشخصي وموقفه الحاسم بكل ما كان يشتمل عليه من تعرضه شخصياً لمخاطر صدام جسدي لوقف إشعال النار في الحاويات.

المقدمات الموضوعية لما حدث في بعض البلدان العربية الشقيقة، لم تكن متوفرة في الأردن، والتجربة التاريخية الأردنية مكنت عقل الدولة من تبني خيار الأمن الناعم، ووقتها كانت هذه الحالة من الاستيعاب ملحوظة لدرجة أنني أخبرت زوجتي ممازحاً يوماً، بأنني لم أحصل على مخالفة مرور منذ أكثر من سنة، وهذه مسألة غريبة عني وعن سجلي المروري.

الحالة الاحتجاجية في نوفمبر 2012 تحركت لأسباب فعلية وحقيقية، ولم تكن مجرد تأثر برومانسية الثورات العربية مثل حالة مارس 2011، ولم تكن حالة تحمل أطيافاً فئوية مثل مظاهرات الرابع في يونيو 2018، وفي المقابل، كانت القرارات لا يمكن تجنبها أو تأجيلها، فالواقع أن انقطاعات الغاز المصري نتيجة تفجير الخطوط المزودة للأردن و(إسرائيل) ألقت بأثرها الثقيل على الاقتصاد الأردني، وما زالت إلى اليوم بالمناسبة لأنها أدت إلى تغيير كبير في معادلة الطاقة في البلاد، وهي المعادلة الصعبة والمعقدة والتي لا تتيح هامشاً واسعاً للمناورة أمام السياسيين.

الدولة في الأردن تعرف كيف تتعامل مع المظاهرات، وليست في حد ذاتها الأمر المقلق للإدارة السياسية والأمنية، وبالنسبة للمظاهرات المناصرة لأهلنا في قطاع غزة فهي كانت متوقعة، بل وكان تراجعها محبطاً للدولة كما سمعت من بعض المسؤولين الذين عرضوا تفاصيل الفعاليات الاحتجاجية بالأرقام والمواقع، ويومها تحدث الوزير مهند المبيضين حول أهمية قراءة هذه الحالة ومعرفة أسباب عدم خروج المواطنين بالزخم المتوقع.

المشكلة ليست في المظاهرات، ولا في موقعها، ولا حتى في تمكن المتظاهرين من دخول السفارة الإسرائيلية على الرغم من أن ذلك سيكون محرجاً للأردن إلى حد بعيد، خاصة أن بعضاً من الجهات داخل (إسرائيل) تحاول أن تحتفظ بعلاقة متوازنة لتجنب انفجار الضفة الغربية بصورة أو بأخرى، وهذه الجهات خارج معسكر بنيامين نتنياهو الذي لا يخفي عداءه للأردن وقيادته، بينما كانت المظاهرات في الأغوار لا تلبي متطلبات تأمين المتظاهرين أنفسهم، مع غموض في تقديراتنا الأمنية لأن الجانب الآخر يتخذ موقفاً متوتراً وعدائياً.

أين تكمن المشكلة؟

الجندي الذي يقف في الرابية يتخذ موقفاً شخصياً يكاد يكون متطابقاً مع المتظاهرين، الأغلبية العظمى من المسؤولين في الأردن لا يحملون أي مشاعر ايجابية تجاه إسرائيل، والدولة الأردنية رفضت بصورة مبدئية أن تساوي الجلاد بالضحية في ذروة الاستقطاب والابتزاز العاطفي الذي مارسته (إسرائيل) في الأسبوعين التاليين لأحداث السابع من أكتوبر، وطائرات الجيش العربي كانت أول المحلقين في سماء القطاع، ولماذا نريد أن نتناسى مقولة الشاب الغزاوي، ما بيعملوها غير الأردنيين؟

فلماذا يأتي الطعن في الموقف الأردني في الهتافات وفي بعض التصرفات، ولماذا وضع بعض المتظاهرين أنفسهم في حالة خصومة مع الدولة الأردنية، ولماذا، ولنقلها صراحةً، ضاقت الدولة بهذه الفئة، على الرغم من خبرتها التاريخية في التعامل مع الاحتجاجات وتوابعها؟

السبب الأول، هو الشعور بالجحود والصدمة من هتافات بعض المتظاهرين والانتقائية في رؤيتهم للأمور وتقديرها، ليطالبوا الأردن بما لم يطلب من دول عربية أو اقليمية أخرى، دخول الحرب مع (إسرائيل)، مع أن الأردن لم يتأخر عن الحرب يوماً، ففي يونيو 1967 ذهب الملك الحسين إلى القاهرة ووقع اتفاقية الدفاع المشترك مع مصر في 30 مايو، خمسة أيام قبل الحرب، وحتى عندما بدأت الأخبار تتقاطر من الجبهة بكارثة على الجبهتين المصرية والسورية، وعلى الرغم من رسالة ليفي أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي أن (إسرائيل) لن تهاجم الأردن ما لم يبدأ الأردن الهجوم، فإن الأردن لم يتردد في دخول الحرب ليخفف الضغط عن الجبهة المصرية والسورية، وأدى هذا الموقف إلى تحسن العلاقات بين مصر والأردن بعد سنوات صاخبة وساخنة، وكان الرئيس المصري جمال عبد الناصر ممتناً للموقف الأردني، وأشاد به في خطاب التنحي الشهير، ووصف موقف الملك الحسين بالممتاز، وفي قمة الخرطوم، طلب منه أن يفعل ما يشاء وأن يتخذ ما يلزم من اجراءات لاستعادة الضفة الغربية، وبقي يكرر أنه غير مهتم بسيناء قدر اهتمامة باستعادة الضفة!

النضال الفلسطيني وصل إلى قناعة بتأسيس الدولة على أي شبر من الأرض المحتلة، وكان الأردن، على الرغم من جميع الملاحظات والأفكار، بجانب الفلسطينيين في النهاية، وكانت اتفاقية أوسلو، وبعدها وادي عربة التي لم تكن لتطرح أصلاً على طاولة التفاوض من غير أوسلو، وقبل التوقيع تشاورت الأردن مع مصر وسوريا، الرئيس حافظ الأسد نصح بالتمهل، ولكن الأردن بفك الارتباط مع الضفة الغربية لم يكن في نفس خانة الحسابات مع الرئيس الأسد الذي يجب أن يستعيد الجولان كاملاً، أما الحل على أرضية القرار 242 فكانت واضحة وعلى أساسها تقاطرت الوفود العربية إلى مدريد.

أين يمتلك الأردن شعبية واسعة في الوطن العربي من المحيط إلى الخليج؟

في الضفة الغربية، ليس في أي مكان آخر، تجربة شبابية فلسطينية (إذاعة دون تردد) وصفت المملكة الأردنية الهاشمية بوصفها التابو الذي لا يمكن المساس به، ببساطة الفلسطينيون في الضفة الغربية يدركون الدور الذي تؤديه الأردن، والمعادلات التي تحكمها، ليس بتفاصيلها، ولكن الشعور بأن الأردن يمثل الأفق الوحيد المتاح والموثوق لوجودهم في أراضيهم وبقائهم في حالة المواجهة مع (إسرائيل) ومطامعها.

هذه القاعدة تعترف للأردن بدوره ومساندته، ولكن أطرافًا داخل الأردن تستكثر ذلك، وتستنكره، وترى الأردن مقصراً لأن دعوة ما وصلتها للزحف إلى الحدود، من أجل ماذا؟ تعريض مواطنين أردنيين لمخاطر تجبر الأردن على الرد وتضعه في برميل من البارود، وماذا سيحدث بعد ذلك؟

توجد دولة وتوجد حركة مقاومة، ويوجد منطق دولة ومنطق مقاومة، بل أن المقاومة نفسها تتعدد أجنحتها بين السياسي والميداني، والمحصلة أن البحث عن التوتير يبدو أنه يستقصد الأردن بصورة خاصة، وليس من جميع الأجنحة في المقاومة، وكأن الوقت يسمح بالنزوات البلاغية والأداء المنبري.

هذا سبب عاطفي وكان يمكن تجاوزه، ولكن ما لا يمكن تجاوزه هو الدخول بهذه الوضعية لمرحلة تجييش وتحشيد في منعطف يمكن أن يتطور إلى إعادة التشكيل في المنطقة، وما سيحدث بعد الحرب هو الجوهري في الأمر.

التفاوض بين حركة حماس و(إسرائيل) يسعى إلى استعادة الوضع القائم قبل السادس من أكتوبر، وهذه مسألة متعذرة، ولكن ما ليس متعذراً هو العمل على بقاء الفلسطينيين في أرضهم وتأمين حياة كريمة لهم، فحصار غزة لسنوات وتضييق سبل الحياة أمام الفلسطينيين يقف بصورة لا يمكن مواراتها سبباً لجزء كبير مما يحدث في القطاع.

ضبط النفس في هذه المرحلة ومحاولة إحباط توسع دائرة الحرب، والاشتباك السياسي المدروس وما يمكن تسميته بالصبر الاستراتيجي عوامل أساسية تحكم العديد من البلدان وحساباتها، ومع ذلك فالأردن وحده يخضع لاستفزاز لا يستحقه وربما يعبر عن أشخاص يجدون في الأردن هدفاً ذاتياً ويجردونه من موضوعية دوره ليضغطوا عليه في هذه المرحلة خارج أي سياق تطلبه حساسية المرحلة وتعقيداتها.

أي خطاب عقلاني يجب أن يقوم على أرضية تقاسم الأدوار، الدفع بالسياسي ليستوعب الاختلال الميداني، ولكن بعض السياسيين الذين يفتقدون لأي تصورات ميدانية يجدون فائضاً من الفراغ يعملون على الحشو المكلف الذي لا ينقل حجراً من مكانه على الأرض، ولكنه يشيع التوتر في وقت يتطلب التركيز والتضافر والتآلف والواقعية.

الرد على اختلالات الوضع في تظاهرات "الرابية" أتى بالأمس في مباراة الفيصلي والوحدات وهتافات الجماهير المتحمسة والمنضبطة والمترفعة عن صغائر التناكف والمصالح السياسية المستترة والنزوات الخطابية.

عودة إلى المقدمة، منذ أن خرج عبد الله باشا لملوم ليطلق الرصاصة الأولى من أجل فلسطين، فإن كثيراً من الحراك السياسي في المنطقة العربية يكون مظهرياً من أجل بناء ذاكرة شخصية في عالم يتعيش على انتظار الأبطال الذين تشكل حناجرهم القوية واستسهالهم إلقاء الاتهامات يميناً ويساراً مقدمات سيرتهم الذاتية، وبالمناسبة، وللتاريخ، فلملوم باشا الذي يتذكره التاريخ بأنه صاحب الرصاصة الأولى، عاد إلى مزارعه الشاسعة، بينما ذهب إلى الحرب أبناء البسطاء الذين وجدوا أنهم يقاتلون تفوقاً نوعياً وكمياً للعصابات الصهيونية.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF