كتاب

غزة.. والأردن المستهدف

من بين ما كشفه العدوان الإسرائيلي الآثم على قطاع غزة، حجم الاستهداف الذي يتعرض له الأردن، والذي لن يغيب عن بال من يرغب بالقراءة ما بين السطور، فبالرغم من أنه من الواضح البين أن الأردن قيادة وشعباً هو الأكثر التحاما مع أهل غزة، وسعياً لوقف الحرب الآثمة عليها، غير أن حدة استهداف الأردن زادت خلال هذا العدوان، علما بأن الاستهداف لا يكون بالضرورة من خلال عمل حربي خشن، فقد حلت محل الحروب الخشنة، حروب ناعمة تسمى الجيل الرابع والخامس من الحروب، وهي حروب الإعلام والحرب الإلكترونية التي تهدف إلى إضعاف المجتمع من الداخل وهدمه بدون دماء، حيث يلعب تشويه الصورة دوراً محورياً في هذه الحرب، ففي كثير من الأحيان يكون التجاهل أو تشويه الموقف، أو سوء تفسير العمل أشد خطراً من العدوان الخشن، علماً بأن تشويه الموقف أو سوء تفسيره يدخل في باب الاغتيال المعنوي الذي يمهد للاغتيال المادي لا سمح الله.

الأمثلة على استهداف الأردن أكثر من أن تحصى، وهو استهداف زادت حدته خلال العدوان على غزة، فمن الأمثلة في باب التجاهل لمواقف الأردن أن وسائل إعلام تصر وهي تتحدث في تقاريرها عن دخول مساعدات الإغاثة الأردنية إلى غزة، تتجاهل ذكر الأردن كمصدر لهذه المساعدات كما حدث عند دخول المساعدات الأردنية إلى مخيم جباليا على سبيل المثال لا الحصر، حيث أصرت تقارير هذه الوسائل على عدم ذكر الأردن كمصدر لهذه المساعدات، رغم أن العلم الأردني يكون واضحاً على بعض طرود هذه المساعدات لمن أراد التدقيق، ورغم أن معدي ومقدمي هذه التقارير الإعلامية يعلمون علم اليقين أن الأردن هو من أرسل هذه المساعدات، ومع ذلك يتجاهلون هذه الحقيقة، وهي ممارسة تكررت كثيراً من وسائل إعلام بعينها، رغم ما في ذلك من خروج عن آداب المهنة وتقاليدها، ولكن هذا الخروج يصبح مباحاً ما دام يخدم مخططاً بعينه، هو هنا مخطط استهداف الأردن من خلال إنكار دوره وجهده.

ومثلما يتم إنكار دور الأردن الرسمي في إغاثة أهل قطاع غزة، يتم كذلك تجاهل مطلق للجهود الشعبية الأردنية في إغاثة غزة كما يفعل «حي المعانية» في عمان، وكثير من المبادرات الشعبية التي قامت بها مدن وعشائر أردنية لإغاثة أبناء غزة، دون أن يكون لها حضور إعلامي عند هذه الوسائل الإعلامية التي تستفيض في الحديث عن ماهو أقل بكثير من هذه الجهود الشعبية الأردنية؟!.

أقسى من إنكار دور الأردن في إرسال المساعدات الإنسانية إلى الأهل في قطاع غزة، ما يجري بالنسبة للإنزالات الجوية لإغاثة أهل غزة، والتي يقوم بها سلاح الجو الملكي الأردني، ففوق أن هذه الوسائل الإعلامية تتجاهل هذه الإنزالات فأن بعضها الآخر يقدم لها تفسيراً مسيئاً، يلتقي مع ما تقوم به بعض جيوش الذباب الإلكترونية من سوء تفسير لعمليات الإنزال، بل ومهاجمتها، وهذا أيضاً مما يصب في خدمة مخطط استهداف الأردن.

ومثلما يتم تهميش أو تجاهل الدور الأردني في إغاثة الأهل في غزة، يجري كذلك تهميش المسيرات والاعتصامات المتواصلة التي يقوم بها الأردنيون نصرة لأهلهم في غزة، ففي الوقت الذي تفرد فيه هذه الوسائل الإعلامية مساحات واسعة من شاشاتها وأوقاتها لمسيرات تجري في دول اخرى، فإنها بالكاد تشير إلى المسيرات الأردنية وغالبا ما تكون صورة المسيرات الأردنية محصورة في كادر في زاوية من زوايا هذه الشاشات، مع تركيز الكاميرا بعيداً عن النقطة المركزية للاعتصام أو المسيرة، حيث تكون كثافة المشاركين، أو أن هذه الوسائل تركز على تواجد رجال الأمن العام الأردني دون أن تفسر أنهم يحمون أمن المسيرات والاعتصامات والمرافق العامة، بخلاف ما تفعله هذه الوسائل مع اعتصامات ومسيرات تجري في دول أخرى للتضامن مع غزة، حيث تتعمد تصوير هذه المسيرات والاعتصامات من نقطة مرتفعة لإظهار طولها وحجمها في ممارسة مهنية غير بريئة.

ومثلما يجري تجاهل أو تهميش دور الأردن في إغاثة ابناء غزة عبر البر والجو، وكذلك

عبر تهميش مسيرات واعتصامات الأردنيين المناصرة لغزة، يجري كذلك تهميش جهود الدبلوماسية الأردنية المتواصلة لوقف العدوان على قطاع غزة، والتي تكاد تكون هي الجهد الوحيد المستمر والمتواصل مع مختلف القوى الفاعلة على الساحة العالمية من أجل وقف إطلاق النار في القطاع.

ومن صور تجاهل مواقف الأردن وإنجازاته أن بعض هذه الوسائل الإعلامية احتفت خلال الأيام القليلة الماضية بالذكرى العشرين لاستشهاد الشيخ أحمد ياسين بالحديث عن محطات في حياته، متجاهلة واحدة من أهم هذه المحطات، وهي إصرار الأردن بقيادة جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين على إطلاق سراح الشيخ من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وإحضاره إلى الأردن لمعالجته ثم إعادته إلى غزة، وهو ما تم بالفعل حيث التقى الشيخ ولأول مرة مع خالد مشعل الذي كان يشغل موقع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وكذلك غيره من قادة «حماس» في الخارج، كما التقى الشيخ أيضاً في عمان وبجهود أردنية مع المرحوم ياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية، وهي لقاءات ما كانت لتتم إلا على أرض الأردن وبجهود أردنية، يجري تجاهلها في إطار مخطط استهداف الأردن.

يأتي استهداف الأردن من خلال تجاهل أو تهميش جهوده الدبلوماسية والإغاثية أو من خلال سوء تفسيرها والهجوم عليها بالتوازي مع تهديدات إسرائيلية متلاحقة، تارة بتعطيش الأردنيين من خلال منع المياه عنهم، وتارة اخرى بالتهديد باحتلال أراضيهم. مما يثير الكثير من علامات الاستفهام.

والمطلوب وجود خطاب إعلامي وطني مجمع عليه، يحمل رسالة الأردن وينشر مواقفه ويعرف بجهوده، بدلاً من الخطاب المحلي المليء بالإنشاء والخالي من المضمون، الذي لا يصلح في زمن يستهدف به الوطن.