بعض مؤسساتنا في القطاع العام أحدثت نقلة نوعية في أدائها وخدماتها. سرعة في الإنجاز، كفاءة في معالجة الأمور الموكلة إليها، وحسن تعامل مع متلقي الخدمة.
تذهب إلى إحداها، فتُذهل من سلاسة إتمام المعاملات ويُسْر الإجراءات. كوادر مُدرّبة وعمليات مُحوسبة، وإدارة مُخلصة وخلاّقة تقف وراء ذلك؛ مُستندةً إلى خطة استراتيجية مُحكمة وخطط تنفيذ ومتابعة.
يُسرّ المرء عندما يُنهي معاملته في وقت قياسي ويغادر، لكنه يشعر بفخر أنّ مؤسساتنا حققت هذا المستوى من التطور والتقدم.
في المقابل، هنالك العديد من المؤسسات الأخرى التي ما زالت تراوح مكانها، من حيث بُطء الإجراءات وعُقم الأداء وهدر وقت متلقي الخدمة، والمعاناة النفسية التي يخبرها المرء من الروتين والأجواء المُحبِطة.
لا يكاد المرء يُصدّق أن الحالتين، حالة الكفاءة وحالة الترهل، توجدان في ذات القطاع.
قبل أيام أردت الاستفسار عن قضية في مؤسسة عامة. تصفّحتُ موقعها بحثاً عن رقم هاتف الاستفسارات فوجدته بعد عناء. اتصلت فأجابني التسجيل الآلي، وبدأ يسرد على مسامعي هواتف الخدمات الفرعية، لأكثر من ثلاث دقائق؛ فلم يكن الهاتف الفرعي للخدمة التي أنشدها من بينها. فضغطت على صفر، كما أعلمني التسجيل ليساعدني أحدهم.
بعد الضغط، أجابني تسجيل آخر يقول: انتظر قليلاً، «أنت الآن رقم 1». وأخذ يردد هذه العبارة لأكثر من ست مرات، ليُغيّر العبارة ويقول بعدها: «أنت الآن رقم 2». ظننت أنني لم أسمعه جيداً، فأصغيت بدقة فإذا العبارة تماماً كما سمعتها: «أنت رقم 2'!!!
بعد أن ردّدها عدة مرات، قال: «أنت الآن رقم 3'!! أقسم أنني لا أبالغ ولا أؤلّف ولا أمزح.
مللت فأعدت الاتصال، فخبرت كل ما ذكر أعلاه. عندما أعدت الاتصال عدة مرات، ردّ عليّ المتحدث رقم صفر: «ماذا تريد؟» أخبرته، فقال انتظر، وإذا به يُحيلني إلى تسجيل ثالث أخذ يُعدّد الخدمات وليس من بينها الخدمة التي أنشدها وانتهي التسجيل بالقول «إذا كان عندك مشكلة ارسلها بواسطة الإيميل.'
ماذا يقول المرء؟
واضح أن هذه المؤسسة ومثلها كثير تعاني بالدرجة الأولى من سوء الإدارة، فالإدارة هي المسؤول الأول والأخير عن جودة العمل أو كفاءة الخدمات. أية أسباب أخرى تُعطى لتبرير التّرهل هي ذرائع لتغطية الفشل.
ما المطلوب فعله للقضاء على التّرهل في العديد من مؤسساتنا؟
إجراءان لا ثالث لهما. الأول ويكمن في تغيير الطاقم القيادي في المؤسسة برمّته، والإتيان بأشخاص يملكون الرؤية والكاريزما والتفكير المُنظم والإخلاص في العمل.
أما الثاني فيتمثل في استنساخ تجارب المؤسسات الناجحة في مجتمعنا، والدروس المستفادة، وتعميمها على المؤسسات غير الناجحة لتسترشد بها وتهتدي بهديها. صحيح أن طبيعة العمل في مؤسساتنا تختلف من مؤسسة إلى أخرى؛ لكنّ الممارسات الفُضلى الكامنة وراء نجاح مؤسسة ما غالباً ما تكون مفيدة لمؤسسات أخرى، لأنّ التجربة والدراسة تشي بأن عوامل الفشل والنجاح في معظم مؤسساتنا متشابهة، إن لم تكن متطابقة.
لا يوجد أي مُبرّر الآن لتحمّل فشل العديد من المؤسسات في ضوء تجربتنا في الإدارة التي تمتد لأكثر من مئة عام، ولوجود الكوادر المؤهلة، ومنها القيادات القادرة على صناعة التغيير.