كتاب

رؤية ملك ورفعة وطن

قبل خمسة وعشرين عاماً، وقف أمام مجلس الأمة وأقسم أن يحافظ على الدستور وأن يخلص للأمة، ومنذ ذلك التاريخ وجلالة الملك عبدالله الثاني يبرّ بقسَمه في كل خطوة وموقف وتصريح، فقد حافظ على الدستور عبر تحديثه كي يبقى الدستور روح الوطن، وظل يقف إلى جانب أمته، ويتقدم المدافعين عنها، صلباً لا يلين وواضحاً لا يقبل التأويل.

وخلال مُلكه العتيد، أظهر عبدالله الثاني أنه من سلالة الملوك الثوار، فهو الذي قاد التغيير منذ توليه العرش، وطال التغيير مختلف المجالات، فصار الأردن جزءاً حيوياً من العالم دون أن يفقد هويته الوطنية والعروبية.

في عهده،ً ولدت المحكمة الدستورية، كي يبقى دستورنا مصوناً، وأنشئت الهيئة المستقلة للانتخاب كي نضمن سلامة التمثيل النيابي، وجاءت الأوراق النقاشية الملكية لتحدد مسار التطور الديمقراطي والسياسي كما يراه جلالة الملك.. أردن ديمقراطي يحترم الاختلاف، يساهم الجميع في تطوره ونمائه، ويتحاورون حول ما هو الأفضل للأردن ولا يختلفون عليه.

وجاءت درة التحديث عبر منظومة التحديث السياسي التي أعطت مساحة أوسع للأحزاب، كي ينتظم الأردنيون في أطر سياسية تعبر عن معتقداتهم وأفكارهم وبرامجهم، بعيداً عن أي تحيزات ضيقة ومصالح فردية تتعارض مع المصلحة العليا للوطن.

وبقي الشباب محط اهتمام جلالة الملك، فتسلح الشباب الأردني بالمعرفة والمهارات التي أهلتهم لأن يكونوا سفراء الأردن في الخارج عبر العمل في الدول العربية والمساهمة بتقدمها وتطويرها، كما استطاعوا الاستمرار بتقديم أفضل ما يملكونه لوطنهم، هذا الأردن الذي ازداد شباباً.

وكان للمرأة نصيب من رؤية جلالته التحديثية، فاستطاعت عبر الكوتا النسائية دخول مجلس النواب تدريجياً، وإثبات أنها قادرة إذا أتيحت لها الفرصة، وزاد حضورها وتأثيرها في المشهد العام، فلم يعد تواجدها في الصفوف الأمامية مجرد ديكور، فنالت أعلى المناصب وساهمت بصناعة الإنجاز.

ولم تتوقف جهود جلالة الملك على الجوانب التنفيذية، حيث تم تحديث الدستور بتوجيهات ملكية دون أن تُجرح روحه، ليُعبّر عن أردن عصري، جذوره ضاربة في الأرض عميقاً وهو يرنو إلى المستقبل.

وكان التحديث السياسي ضلعاً في مثلث التحديث، الذي شمل البعدين الاقتصادي والإداري، لتكون منظومة التحديث متكاملة وقادرة على تحقيق الهدف المراد.

ما حدث في الأردن خلال ربع قرن، قصة خاصة بالأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، فهو الملك الذي نشأ بين الأردنيين، عسكرياً في صفوف الجيش العربي، وقائداً يعرف الناس ويعرفونه، متواضعاً ومتفهماً.. وهو المنفتح على العالم الذي قاد البلاد في خضم مرحلة حملت نمطاً جديداً من الصراع القائم على الواقعية والتنافسية، حتى صار للأردن أسلوبه الخاص في مواجهة التحديات التي فُرضت عليه بحكم الجغرافيا الممتزجة بالسياسة. ففي منطقة ملأى بالحروب والدم، ظل الأردن قادراً على العبور بسلام من كل اختبار، والاستفادة منه لتقوية الداخل وحماية مصالحه الوطنية العليا.

خمسة وعشرون عاماً والأردنيون يستذكرون ذلك اليوم، يوم الوفاء للحسين والبيعة لعبدالله الثاني، ويتجدد فيهم الوفاء لملك جليل أبى إلا أن يترك بينهم قائداً أميناً وملهماً، والبيعة لملك عظيم تمكن بعزيمته وشجاعته من العبور وسط الزلازل الجيوسياسية التي شهدتها المنطقة، ليخرج بالأردن كل مرة أقوى وأكثر منعة.

خمسة وعشرون عاماً والملك ينافح عن قضايا العروبة وأولوياتها، ويشتبك مع القضايا الإنسانية الكبيرة، ويقود التحالفات المهمة من أجل مستقبل أفضل وأزهى للأجيال القادمة، ويقاتل من أجل سلام عادل وشامل بالمعنى الحقيقي، السلام الذي يمكن أن يحقق للفلسطينيين دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.

تتجدد البيعة في كل سنة بالمعنى المجازي، لأن اليوم هو للتذكر والتأمل، أما البيعة بمعناها الوطني فهي باقية وراسخة، فالمسيرة مستمرة على الرغم من التحديات الكبيرة، والأردن ملاذ آمن وسط إقليم عاصف، والأردني يعيش كريماً في وطنه آمناً بين أهله وناسه.

ونحن نحتفل بذكرى بيعتنا لعبدالله الثاني، ننظر للأمام وندرك أننا قادرون على صناعة المستقبل المشرق بأيدينا، وفي هذه اللحظة الفارقة، نتذكر الحسين الباني ونرى عبدالله المعزز أطال الله عمره وأدام مُلكه، ونشهد أن الحسين بن عبدالله، ولي العهد، يمين أبيه وأمل وطن.

يحق لنا كأردنيين أن نفخر ونرفع الرأس لأننا قادرون على اجتراح المعجزات وصناعة المستحيل بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني الذي لم يتعب ولم يهن، فظل الأردن وطناً بحجم الحلم، وظل الأردني عزيزاً مكرماً حاضناً لأشقائه العرب، ناصراً قضاياه الوطنية والقومية.

أدام الله عزك سيدنا، يا ملكاً بحجم الوطن.