أسعفتني الذاكرة للعودة إلى البدايات الأولى في السبعينيات ومن خلال صفحة «القراء» والتي كان المحرر يختار ما يشاء من المحاولة المرسلة للجريدة وينشر مقتطفات منها للتشجيع والمواظبة على الكتابة، وما أذكر بالفضل المرحوم فوز الدين البسومي في جريدة الدستور، والذي شجع وأطلق العديد من الكتاب من مدرسته الصحفية وصفحته ومتابعته، وكذلك الحال بالنسبة لبرنامج «أقلام واعدة» والذي كان يقدمه المرحوم محمد الخشمان من أثير الإذاعة الأردنية العريقة.
أمتد الحال ودخلنا الجامعة الأردنية بداية الثمانينيات ومن خلال جريدة الرأي تخرجت العديد من المواهب في عالم الكتابة ومجالاتها المنوعة من شعر وقصة ورواية ومقال، وبعضها اتجه للسياسة وانغمس في دربها الشائك وتمرس في ذلك وانتقل للكتابة داخل وخارج البلاد بفضل موهبته وسمعته وتخصصه.
بالطبع لن ننسى فضل الكتاب الكبار في الصحافة الأردنية وتأثيرهم ودورهم في إعداد أجيال من الصحفيين والكتاب والمبدعين والمساهمة الجادة في توجيه مهنة الكتابة نحو رسالة حياتية وفلسفة راسخة ومبادئ أخلاقية راقية، وبالطبع لا يتسع المجال لذكر جميع الأسماء، ولكنها مناسبة لدعوة الباحثين والمهتمين في هذا المجال ومن كليات الصحافة والإعلام في جامعاتنا الحكومية والخاصة لإعداد البحوث والدراسات في اتجاهات الكتاب في الأردن وضمن فترات زمنية محددة ومتابعة الإنتاج الصحفي والإعلامي والأدبي والثقافي والعلمي والسياسي والفني والاقتصادي وبقية المجالات الإبداعية وأعتقد أنها مادة خصبة للباحثين في مراحل البكالوريس والماجستير والدكتوراه.
أجيال وأجيال من الكتاب وفي المجالات كافة وخلال الفترات الزمنية السابقة ومجموعة من رموز العمل العام والتي كونت النخب في المجالات المنوعة وها هي تساهم في مسيرة التنمية والتطوير والتحديث المؤسسي سواء في القطاع العام والخاص وترفد المجتمع بخبرات متجددة ومبدعة ومستفيدة من التوسع التكنولوجي والانفتاح في وسائل الاتصال والتواصل على مدى العالم.
عالم الكلمة ومخاطبة الجمهور وفن التواصل مع الآخرين من مقومات النجاح والانتشار والتأثير في مدارس الكتابة والصحافة والإعلام اليوم، وأضحى لعالم الكلمة قواعد جديدة من التنوع والاختصار والخلط بين العامية والفصحى، وأصبح هناك مجموعة من الكتاب الشباب لهم الكثير من الخصائص والمواهب والأفكار ووسائل التعبير.
يكتسب الكاتب الأردني في خضم الأحداث مصداقية وسمعة طيبة ومواكبة للتطورات في مجال الكتابة والتأليف والإبداع والتخصص الأكاديمي والإنتاج المنوع في المجالات كافة من خلال المؤلفات والنشر والدراسات والأبحاث والمقالات والكتب والجوائز وعلى المستويات المحلية والعربية والدولية.
أشير إلى أهمية الترجمة للعديد من الأعمال الأردنية ولمجموعات من الكتاب الأردنيين ونشرها وقد سبق ذلك، ولكن نحتاج للتوسع في ذلك وبمساهمة ومباركة من الأطراف والجهات المعنية بالشأن الثقافي والأدبي على وجه الخصوص.
يتسع ويتشعب الحديث عن الكاتب الأردني وهمومه، ولعل كتاب جريدة الرأي وعلى مدى عمر «الرأي» معنا، هم من خط بالكلمة العديد من التوجهات الوطنية وعبر عن هموم المواطن وتابع الكثير من القضايا ذات الاهتمام الشعبي، وكذلك مواكبة الإعلام الرسمي للدولة والإشارة للإنجاز بما يستحق من قيمة ونقد بناء وفي بعض الحالات معارضة القرارات واتخاذ المواقف منها بدرجات من الغضب والتأمل والحوار والمناكفة.
عهدي بالكتابة في جريدة الرأي منذ عام 1981، يتسع لمقالات ومناسبات ومحطات من عمر الوطن والأحداث والمواقف والتي قد يتفق ويختلف معي العديد من القراء، ولكن تبقى الكلمة هي القيمة والمعنى والاعتبار للحوار الجاد والجلي بخصوص الانتماء والولاء للأردن الغالي والوفاء لمسيرته الطيبة العزيزة.
أكرر دوما الفضل لمن شجع الأقلام الواعدة من قبل والآن ومن بعد؛ تلك الوسيلة الأجدى نفعا وعنوانا للحوار والإبداع والتميز والثقافة والوعي والتوجه الواثق نحو المستقبل بسلاح الحرف والتعبير الصادق النقي.