أكثر التساؤلات بعد الكارثة الإنسانية في غزة بعد الحرب، ستكون حول شكل العلاقة بين العرب وبعض دول الغرب ما بعد الحرب على غزة، التي تختلف شكلاً ومضموناً عن كل الحروب السابقة التي وقعت بين إسرائيل وحركة حماس منذ عام 2008 وحتى اليوم، سواء لجهة تجاهل وتناسي الحديث عن حقوق الإنسان تماماً، أو لجهة الدعم غير المشروط لحكومات غربية لآلة القتل الإسرائيلية التي خلفت عشرات الآلاف من الضحايا، غالبيتهم من الأطفال والنساء.
وفي حقيقة الأمر، ينطبق التوصيف السابق أيضاُ على الدول الاسلامية ودول العالم الفقيرة، التي تشكل بمجموع سكانها أكثر من نصف سكان المعمورة، والسؤال المطروح الآن: هل سيكون حال علاقات هذه الدول عليه كما كانت قبل الحرب على غزة، بالتأكيد الأغلبية ترى أن الوضع سيختلف، في المقام الأول ميزان الثقة سيتراجع كون هذه الدول الغربية سوّقت على مدى أكثر من نصف قرن شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي لم تعد مصدر إلهام أو ثقة للكثير من الشعوب، كون بعض الحكومات الغربية لا تأخذ رأي شعوبها بوقف الحرب ووقف حدد للقتل والابادة الجماعية في غزة، كما لا تأبه بمصير أكثر من 2 مليون إنسان يقبعون تحت الحصار الخانق ويقصفون منذ أكثر من ستين يوماً بأحدث ما توصلت إليه آلة الحرب في مصانع وشركات الغرب.
في المقام الثاني، ستتصاعد حرب الاستقطابات، إذ ستبدأ الدول العربية والإسلامية ودول العالم الثالث بالبحث جدياً وبلا تردد عن بديل دولي جديد مؤتمن للشراكة لتكون قائمة على احترام إرادة الشعوب والندية/لا الفوقية/، واحترام كرامة وحياة الإنسان وأكثر مصداقية وغير مخادع، كون الإنحياز والدعم بدا صريحاً وواضحاً منذ اليوم الأول للحرب، وحدث انقلاب غير مسبوق في المصارحة بمكنونات بعض العقل الغربي، بغض النظر عن الدوافع سواء كانت إنتخابية أو مصلحية.
الحدث اللافت على صعيد هذه العلاقة بين الطرفين تجلى بحملات مقاطعة البضائع والسلع دول الغرب، رغم أنه ألحق ضرراً باقتصاديات هذه الدول نفسها، وأفقدت الكثيرين مصدر رزقهم الوحيد، إلا أن المقاطعة جسدت إرادة الشعوب في المنطقة/ولو بأضعف الإيمان/ في تغيير طبيعة هذه العلاقة، نحو خيار المقاطعة، وقد تتطور إلى قطيعة كاملة مستقبلاً إذا لم توقف الحرب، ويتوقف الدعم السياسي والعسكري غير المشروط للكيان المحتل من قبل النُخب السياسية في الغرب.
الأمر الأكثر أهمية أيضاً، تجاهل وجود ملايين العرب والمسلمين وفقراء العالم داخل المجتمعات الغربية، بما تشكله هذه القوى البشرية من مركز ثقل في الإنتخابات أو التأثير في الشارع، وهو ما تجلى خلال المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين الذين يسعون للإستقلال ووقف الاحتلال، في عواصم الغرب، وهذا مؤشر لا يمكن تجاهله، كونه يعبر عن إرادة الشعوب وتوجهاتها، والتي يمكن أن يتم التعبير عنها بطرق مختلفة لا يمكن توقعها مستقبلاً، خصوصاً إذا إقترن الأمر بتغليب منطق القوة والغطرسة، وهو ما يحدث الآن.
Imad.mansour70@gmail.com