كتاب

أوقفوا الحرب قبل أن تشتعل المنطقة

«لقد تسبب التأخير في تحقيق العدل والسلام باشتعال دوامات لا تنتهي من العنف. ويعد عام 2023 الأكثر عنفا ودموية بالنسبة للفلسطينيين خلال الخمسة عشر سنة الماضية».

هكذا تحدث الملك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أقل من شهر، ولم يكن حديثه جديداً، فهذه النبرة لازمت الخطاب الملكي لسنوات طويلة، وحملها معه في حله وترحاله، واليوم إذ تسود مشاعر المفاجأة والصدمة معظم الذين حاولوا التجاهل والتغاضي عن خطاب واضح وصريح، لتثبت مجريات الواقع على الأرض أن الملك هو الشخصية العالمية الوحيدة التي تأخذ زمام المبادرة بطريقة مسؤولة وبصورة مقبولة من القوى العالمية المختلفة، ويستطيع أيضاً أن يؤسس لخطاب الثوابت في مرحلة مضطربة نعيش أوارها حاليا وتضع المنطقة بأسرها على حافة الهاوية.

ومن قيادة الجيش العربي يطلق الملك مجددا تحذيره محددا المواقف والمبادئ والثوابت التي لم يحد الأردن عنها يوما والتي يتوجب أن تحضر في كل الأدوار المرتقبة من الأردن في المواجهات والمنعطفات القادمة، ومن أهمها قرار عدم عقد القمة الرباعية في عمان لأن واشنطن لن تكون قادرة على اتخاذ قرار بوقف الحرب.

ومع ذلك، فالأردن يؤكد أنه يلتزم بالسلام العادل ويتصدى من مسؤولية وطنية وقومية لوقف الحرب العبثية وتبعاتها على المنطقة والاقليم والعالم فلا يقبل الأردن بأي شكل أو صورة تهجير الفلسطينيين من أراضيهم في غزة أو الضفة الغربية أو القدس، والملك لم يترك هامشاً أو فرصة لأي مساومة أو تسوية منقوصة، ولذلك يصر الملك على أن تكون الحلول عادلة لمن حملوا الجمر وقبضوا عليه لعقود من الزمن.

الملك واضح ويطرح رؤيته بحكمة وواقعية انطلاقاً من إيمانه العميق بأنه لا يمكن تحقيق الاستقرار لمنطقة الشرق الأوسط برمتها الا من خلال السعي إلى حل سياسي يمهد لسلام حقيقي لا يمكن إلا أن يكون عادلاً وشاملاً ويحترم حقوق الشعب الفلسطيني، عبر ضمان حقه المشروع في اقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، ولذلك دعا الملك الى ضرورة أن يفهم العالم جذور الصراع وأسبابه، وألا يصم أذنيه عن معاناة الفلسطينيين وقضيتهم تحت وطأة الدعايات الزائفة والمشبوهة، التي ترتكز على تزوير الحقائق، وهو الدافع الذي جعله?يطوف العواصم الأساسية في أوروبا لإحداث تحول مبدئي سيكون له أثر في تحريك واقع جديد يهتم بالمعاناة الإنسانية في قطاع غزة والمنطقة، منطلقا من مواقفه الواضحة والأخلاقية والانسانية التي لا تحتمل في هذه المرحلة أي مجاملة على حساب الحق الفلسطيني، خاصة وأن هدف الأردن ليس اثبات أن العالم كان على خطأ وانما لتذكير الجميع بواجب التضامن والتكاتف والعمل بنوايا صادقة من أجل تحقيق العدالة والسلام في منطقة ما زالت تكتوي بنار الحروب والصراعات.

نعيد التأكيد على الموقف الأردني الواضح بإن استهداف المنشآت المدنية في غزة، والتي كان آخرها المجزرة الأكثر دموية وبشاعة باستهداف المستشفى الأهلي «المعمداني» في غزة، ينتهك القانون الدولي وأن هذا التطور الخطير يفرض على المجتمع الدولي التخلي عن ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيق القانون عندما يتعلق الأمر بالممارسات الإسرائيلية ويتطلب موقفاً جاداً وحازماً لتوفير الحماية للمدنيين العزل، ووقف هذه الحرب المستعرة فوراً قبل أن تشتعل المنطقة.