كانت غزة دائماً «شعلة نار» في وجه الاحتلال الصهيوني، وكانت تلك الشعلة السبب الرئيسي لانسحاب قوات الاحتلال منها عام 2005 فيما يشبه الهروب، وتفكيك 17مستوطنة كانت تمثل نحو 35% من مساحة القطاع، حدث ذلك خلال ولاية حكومة شارون وهو من أهم القيادات الصهيونية اليمينية المتطرفة. وقبله قال إسحق رابين رئيس وزراء الكيان الأسبق: «أتمنى أن أصحو ذات صباح وأجد غزة وقد ابتلعها البحر"!
نعيش هذه الأيام فصلاً جديداً واستثنائياً من كفاح قطاع غزة في سياق عملية التحرر الوطني، وهذا لا ينتقص من النضال الفلسطيني المستمر السلمي، أو على صعيد الكفاح المسلح المتواصل منذ عشرات السنين التي شاركت فيه مختلف الفصائل. وكان لتسلم حركة حماس إدارة القطاع منذ نحو 18 عاماً في أعقاب الانفصال، خطوة اضافية شكلت إزعاجا لدولة الاحتلال، بسبب تبنيها لنهج الكفاح المسلح وبقيت غزة صامدة رغم الحصار الشامل للقطاع، وجاءت عملية «طوفان الأقصى» غير المسبوقة، التي نقلت المواجهة لأول مرة إلى داخل فلسطين المحتلة عام 1948، فيما يعرف بمدن ومستوطنات غلاف قطاع غزة، بعملية لم تخطر حتى في خيال منتجي الأفلام السينمائية، وشكلت زلزالاً هز دولة الاحتلال في الأعماق، قتل وجرح وأسر خلالها آلاف الجنود والضباط والمستوطنين، بما يفوق ما خسرته دولة الاحتلال في أي حرب شنتها ضد العرب!.
ومن هنا يمكن تفسير هذا الحقد والإصرار على الانتقام من سكان القطاع، وارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب من خلال قصف جوي جنوني، وتدمير عشوائي لأحياء سكنية ومحال تجارية ومزارع ومصانع وكل شيء يتحرك على الأرض، وقطع الماء والكهرباء وكل مستلزمات الحياة والتسبب بكارثة إنسانية رهيبة، وأظن أن ما ألقته طائرات الاحتلال من قنابل وصواريخ على الأحياء السكنية والمدنية في القطاع، خلال الأيام الستة التي أعقبت بدء عملية طوفان الأقصى، يعادل القوة التفجيرية للقنبلة النووية التي ضربتها أميركا على مدينة هيروشيما اليابانية خلال الحرب العالمية الثانية!
وحسب تصريحات جيش الاحتلال فأن مجموع ما ألقته الطائرات على غزة حتى يوم الخميس، بلغ ستة آلاف قنبلة وصاروخ بما يعادل أربعة آلاف طن متفجرات!! فيما أميركا ودول الغرب تتسابق لدعم الكيان الصهيوني وتزويده بالأسلحة والدعم السياسي، ويتوافد إليه المسؤولون الغربيون للتعبير عن التضامن معه، وتبرير جرائمه وتبني أكاذيبه بزعم أنه يدافع عن نفسه!
وكان لاًفتا ما قاله وزير الخارجية الأميركي بلينكن في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس وزراء دولة الاحتلال نتنياهو، إذ قال: «أنه جاء الى دولة الاحتلال كيهودي من عائلة زعم أنها كانت ضحية المحرقة النازية »، وتجاهل ان ما ترتكبه قوات الاحتلال بطائرات وأسلحة أميركية ضد المدنيين في غزة «محرقة عنصرية» وحشية يندى لها جبين الانسانية وتشكل خرقاً فاضحاً لكافة القوانين والأعراف الانسانية الدولية. لكنها تقابل بصمت مريب من قبل الدول التي تدعي تبنيها لحقوق الإنسان وفي مقدمتها أميركا..!
يبدو لي أن المشروع الدولي والإقليمي، الذي يتم طبخه الآن من قبل الولايات المتحدة، هو أن الفرصة أصبحت جاهزة لإسقاط حكومة حماس في غزة، فيما تضطر «حماس» للنزول تحت الأرض والعودة إلى نهج العمليات الاستشهادية داخل فلسطين المحتلة، وتبقى القضية الفلسطينة حية تتوارثها الأجيال. وتبقى غزة مثل طائر الفنيق تجدد نفسها وتنهض مجدداً من تحت الرماد.