تحدّثنا في المقالة السابقة عن أهمية الفرصة المدرسيّة جسدياً ونفسياً وذهنياً واجتماعياً للطلبة، ودعونا إلى أن يُنظر إليها على أنّها جزء لا يتجزأ من الجدول الدراسي ومن عمليتي التربية والتنشئة، لا مكوناً مستقلاً أو منفصلاً عنها.
وهنالك بُعد مهم آخر لها نودّ إبرازه في هذا المقالة، ألا وهو إعداد الطلبة للتفاعل الإيجابي مع الأماكن العامة؛ وهذا أمر غاية في الأهمية. وهو مشكلة، لا بل معضلة، تقضّ مضاجع مجتمعنا.
في أُسَرِنا عموماً هنالك تربية جادة وضبط والتزام لا بأس بهما داخل إطار البيت ومحيط الأسرة وحتى نطاق العائلة الأكبر، وهنالك ضبط وربط داخل الغرف الصفيّة في أثناء الحصص؛ ونفس الكلام ينطبق على الأماكن التي يعمل فيها الأفراد في مؤسساتنا.
الإشكالية الكبرى تكمن في سلوك الأفراد وتصرفاتهم في الأماكن العامة، من شوارع وساحات في الأحياء، ومتنزهات، ومرافق؛ وهي الدوائر الأوسع والأكبر، ومن هنا تكمن أهميتها.
الإشكال في هذه الأماكن يكمنُ أن بعضهم يتحلل من الكثير من الضوابط والأخلاقيات المنشودة لشعور خاطئ لديه أنه «حُرّ» فيما يفعل وأن «لا دَخْلَ» لأحد. ومن هنا تأتي المخالفات المرورية؛ ويأتي الإيذاء للبيئة؛ ويحصل التطاول والاعتداء على الممتلكات العامة؛ وغير ذلك كثير من تصرفات سلبية ننتقدها ونشجُبها، لكنّها تبقى تُمارس.
الفرصة المدرسية فرصة ثمينة لتدريب الطلبة على التفاعل الإيجابي مع الفضاءات العامة، ويمكن أن تُعدّ الساحة المدرسية مختبراً مُصغّراً يدرّب فيها الطالب على السّلوك السوي والتّصرف المسؤول، والذي يُفترض أن ينعكس بالضرورة على سلوكه وتصرفه في المساحات والفضاءات العامة الأكبر.
الفرصة تكمن في أهمية غرس السلوك الحميد وتنمية العادات اليومية الإيجابية التي يكون قوامها احترام المساحات العامة والحرص على نظافتها وسلامتها وهدوئها، وعلى مشاعر الآخرين فيها، تماماً كما يحرص الواحد على نظافة منزله وسلامته وهدوئه ومشاعر أفراد أسرته.
ومن هنا نقول بأنّ التّربية والتعليم في الساحة المدرسية هما بأهمية التربية والتعليم في الحصص الدراسية، إن لم يكونا أهم؛ ومن هنا تأتي ضرورة التعامل مع الفرصة المدرسية بجدية واحترافية كمكون تربوي مهم.
وإذا فعلنا ذلك فسوف نقضي على الكثير من الممارسات السلبية التي يشهدها مجتمعنا في الفضاءات العامة، ويصير الأفراد أكثر التزاماً وانضباطاً وانتماءً للمكان، وأكثر حرصاً على راحة الآخرين والشعور مع الغير.
لسلوك الطلبة في الفرصة في الساحة المدرسية أبعادٌ أبعد وأكبر بكثير مما يظنّ البعض.
نتحدث كثيراً، على سبيل المثال، عن العنف الجامعي، وهو مشكلة موجودة وتفاقمت منذ مدّة. ألا يوجد هنالك ارتباط مباشر بين السلوك العدواني في الحرم الجامعي، والسلوك العدواني في ساحة المدرسة؟.
هنالك ارتباط وهنالك امتداد، فالحرم الجامعي هو الساحة المدرسية الأكبر.
وهنالك ارتباط وثيق كذلك مع العنف المجتمعي، فالساحة المدرسية الصغيرة هي النسخة المصغرة عن المساحات والفضاءات الأكبر في الحارة والقرية والمدينة والمتنزه والشارع والملعب والسوق؛ وما إلى ذلك.
إذاً، للساحة المدرسية أهمية أكبر وأدق وأعمق وأهم مما يبدو؛ والفرصة المدرسية فرصة أهم وأدق مما قد يتخيل البعض.
ومن هنا وجبَ أخذهما على محمل الجد.