كتاب

الفرصة

الفرصة هنا تُشير إلى الفرصة المدرسية، الوقت المستقطع من الجدول الدراسي، والذي يُمكّن الطلبة من قضاء وقتٍ حرّ في الساحة بين الصفوف، للحديث أو اللعب أو الراحة....

وحقيقةً فإنّ هذا الأمر، على أهميته، لا يلقى العناية الكافية لأنّ معظم حديث المهتمين بالتربية والتعليم ينصبّ على التعليم ذاته، وعلى المناهج، والمدرّسين، والأنشطة المنهجية والمساندة، والعلاقة بين المدرسة والأسرة، وغيرها من أمور محوريّة.

وما نريد تأكيده أن «الفرصة»، بأبعادها المختلفة وانعكاساتها على شخصية الطلبة، لا تقلّ في أهميتها عن أهمية الأمور المذكورة للتّو؛ لا بل قد تكون أكثر أهمية لما تتركه من أثر على شخصية الطلبة، ومن هنا وجب العناية بها.

الأصل أن تكون الفرصة جزءاً لا يتجزأ من الجدول التعلّمي/التربوي اليومي، ولا ينظر إليها على أنها مُنفصلة عنه. وتُعجبني، في هذا السياق، عبارة «فرصة» بالعربية أكثر من عبارة «break» بالإنجليزية، لأن الأولى تَشي بمعانٍ إيجابية تتصل باستمرارية التعلم والنمو، واللذين هما على قدرٍ كبير من الأهمية للمتعلمين، بينما توحي الثانية بالانفصال والانقطاع.

صحيح أن أحد أهم أهداف الفرصة إعطاء الطلبة القسط الكافي من الراحة بين الصفوف، لكسر روتين التعلم وعملياته الرسمية الثقيلة في معظم الأحيان، وبالذات في ظل عدم تنوّع أساليب التعلّم وقلة أو غياب مُتعتها.

والطالب يحتاج لإراحة عقله ونفسه وجسده خلال الفرصة، فأخذه قسطاً من الراحة يُسعده من ناحية، ويُمكّنه من التركيز على الدروس التي تلي من ناحية أخرى.

بيْد أنّ الفرصة تُحقق أهدافاً أخرى كثيرة، إضافة للراحة الجسدية والعقلية والنفسية، نذكر منها هدفين رئيسيين:

أولاً، الحركة الجسدية التي تتأتى من خلال المشي أو اللعب اللذين يمارسهما الطلبة ضرورية جدّاً، إذ أن التعلم في معظم الصفوف يتطلب الجلوس دون حراك لفترات طويلة، ومن هنا تأتي الحاجة لممارسة الحراك الجسدي، والذي هو متطلب لصحة الجسم ولياقته، بناءً على المبدأ الراسخ علمياً: العقل السليم في الجسم السليم؛ وهذا أمر يتحقق في الفرصة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحركة الجسدية في عصر التكنولوجيا أصبح لها أهمية مضاعفة لأن أبناءنا وبناتنا منذ نعومة أظفارهم أصبحوا يقضون أوقاتاً كثيرة، وأحياناً على نحو مبالغ فيه، أمام شاشات الحواسيب والهواتف النقالة، سواء لأغراض التسلية واللعب، أو لأغراض الدراسة، على حساب حراكهم الجسدي المهم.

ثانياً، الفرصة تُحقق للطالب أبعاد نموٍّ وأبعاداً اجتماعية مهمة، ففيها يتعرّف الطالب إلى رفاقه ويتفاعل معهم ويكوّن علاقات ودٍّ وصداقة معهم، ويمارس مهارات التواصل، وينمو عاطفياً ولغوياً واجتماعياً وعقلياً. وهي فرصة للاختلاط بالأتراب، والقضاء على مشاعر العزلة والوحدة وغيرها. وهذه كلّها أبعاد اجتماعية ونفسية مهمة.

إضافة إلى هذين الهدفين، هنالك أمر مهم يجعل من العناية بالفرصة حاجةً مُلحّة، ونعني بذلك ما قد يتعرض فيها الطالب من مخاطر، تتمثل في سلامة الساحة المدرسية وملاءمتها للمشي والركض واللعب، ومخاطر تتعلق بالتّنمّر الذي يمارسه بعض الطلبة، والتّدافع والغِلظة والعنف والإيذاء. الأمر الذي يتطلب حضوراً لإدارة المدرسة في الفرصة، وعنايةً منها بها.

الفرصة المدرسية، إذاً، «فرصة» ذهبية للطلبة إذا أحسنّا استخدامها، وهدرٌ وخطرٌ داهم، إذا لم تأخذ الحيّز الكافي من الاهتمام.